الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

التعليم كما عايشته الحلقة (22)

ا


لتعليم الاساسي الاجباري المجاني و تربية الحجزEDUCASTRACION


العديد من الخبراء و المختصون في عالم الطفل و التربية يقرون اسفين أنه على مدى السنوات التي يقضيها الطفل ملتصقا بمقاعد الدراسة (و هل يفعل شيئا غير هذا؟) في ضيافة و عهدة المدرسة الالزامية و الاساسية و المجانية يتعرض لفقد نسبة عالية من الامكانيات التي يتوفر عليها دماغه البشري




.نحن نتكلم عن الذكاء الطبيعي ،الذي عوض ان يعمل هذا النوع من التعليم على تطويره فأنه على العكس من ذالك فانه يعمل كألة جهنمية على شفط القدرات و المهارات المكتسبة بشكل غريزي ابان الولادة .


القليلون يحسون بالمؤامرة التي تمارس على التعليم الاساسي ,و يستطيعون أن يوصفوها (بكسر الصاد) بالفشل المدرسي متمثلا في عدة عوامل على سبيل المثال لا الحصر :المناهج ، المقررات ، الهيئة التعليمية و التربوية ،البنية التحتية ....ألخ .


لكنهم يتناسون الأهم أن الفشل المدرسي يرتبط ارتباطا وثيقا ببنية النظام التعليمي الذي لم يوضع قط من أجل الطفل و انما وضع استجابة لدواعي سياسية و ثقافية و أمنية ...


المؤامرة على التعليم نظمت و قننت بشكل متعمد و مريب لاعطاء التعلمات أقصى تأثير و انتشارمعتمدين على مبادئ المجانية و الأساسية و و الالزامية .و قد أحيكت من طرف أوساط غامضة و في الظل لتدبير وضع الانسان في الحياة ,ليكون فقط فردا مجردا عن كل ما يحيط به ، و يكون أكثر عرضة للانكسار ،أكثر خوفا ،أكثر تبعية و أقل ذكاءا ..


و لان الطفل في مرحلة حرجة ,مقبل على التعلم و الاستكشاف ،انه جديد في هذا العالم و كل شيئ يثير دهشته و عوضا أن نمده بالاليات التي تمكنه من التحرر، فأن النظام التعليمي يضع أمامه جميع العراقيل (الخنق و التضييق و الحجب) التي تحافظ على الطفل في وضعية التبعية .و عوض عن اعطائه الثقة في النفس ،فاننا نخطط له مسارا ملتويا يقوده الى اللأمان و الخوف من الاتي و المستقبل الى سوق يخضع للعرض و الطلب .و سيختار النظام نخبة تحتل وظائف محددة بينما السواد الاعظم يرمى به في الهامش و يتوزع بين المهن البسيطة و البطالة .


لعل أول جملة بهرني بها أستاذ التربية و علم النفس في مدرسة تكوين المعلمين كانت : الطفل ورقة بيضاء يمكن أن تنقش فيها ما تشاء . هذه الجملة تلخص تبسيطنا الكارثي لتربية الطفل . و نحن نحفر (الحفر عبارة عن هدم باستخدام الة حادة و مدمرة) لننقش و نغرس ما نشاء أو الأصح ما يشاءون هم ،عن وعي أو عن غير وعي ننسى أننا بصدد نجفيف و نصحير عقل الطفل و تهميش امكانياته الطبيعية الهائلة لصالح تثبيت معارف و أفكار بعينيها دون غيرها .و في اللحظة التي نثبت فيها هاته المعارف فاننا نطرد و نمحي المعارف و القدرات الطبيعية المكتسبة تلقائيا و التي منحها لنا الله تعالى ,


مجموعة من الاصوات بين الفينة و الاخرى ترتفع و من جميع أنحاء العالم تندد بما يتعرض له الطفل و تصف التربية الحالية كما نمارسها ب مصطلح :


EDUCASTRACION = EDUCACION + SEQUESTARCION

واذا قمنا بالترجمة الحرفية لهذين المصطلحين ،فاننا سنجد أنفسنا أمام قاموس في الحقيقة مؤلم :


تربية الاجبار – تربية الارغام –تربية القسر –تربية الحبس –تربية الحجز ...الخ


حتى و نحن نفكر أو نخترع نظريات أعتقد أننا ان لم نحاكي الحياة و الطبيعة ستكون كل أفكارنا و اختراعاتنا مدمرة للانسان و ووسطه . لنعد بالامور الى بدايتها الاولى و طبيعتها الاولى و الى ما يفترض أن تكون عليه و ليس ما يريده الانسان ان تكون عليه ,لننظر الى نفسنا جيدا و نتقبل فكرة أننا مخلوقات ،نخضع لنظام هومعقد أكثر بكثير مما يظنه الانسان ذو العقل المحدود دعونا نتأمل هذه الحقائق :


-في البدئ كان الاسد حيوانا يولد في غابة مترامية الاطراف لا يحدها سياج ’ مجاله الطبيعي البراري الفسيحة ،مجاله الحيوي منطقة عيشه ’ متفاعل مع وسطه و داخل مجموعته ,لا يحتاج الى مدرسة أو معلم ليتعلم كيف يعيش ،انه يتعلم داخل وسطه من امه و أبيه و أقرانه و عشيرته معتمدا على تجارب تطورت و صقلت على مر السنين و في جميع مراحل تعلمه كان يعتمد على حواسه و جسده و في حركة دائمة كان يمارس تعلماته و كان وفيا لمجموعته ووطن منطقته و شاعرا بالهدف الجماعي لمجموعته .و خلاصة القول كان أسدا (يعيش حياته) بما للكلمة من معنى حيواني ان صح القول .حياة هذا الاسد ستتغير كليا حينما أصطاده المستكشف الاربي كما اصطاد بنو البشر ،فجأة وضعه في قفص و حد كثيرا من عالمه الى درجة أنه جعله ينسى عالمه الحيواني الخاص .و أخضعه للتوالد ،و أخضع ذريته الى تدجين شديد و تغيير في السلوك و تغيير في نمط العيش ،و لم تعد السباع بحاجة الى استعمال مهارتها لتحصل على الغداء ما دام يوفر لها داخل القفص .و مع مرور الوقت اختفت ثقافة السباع لدى هذا الحيوان الذي أصبح أليفا و تابعا .و قد جرب العلماء اطلاق سباع في البرية ، اصلا ولدت في الحجز .ماذا كان مصير تلك السباع لقد ماتت من الجوع لانها لا تعرف كيف تصطاد ,و لانها لم تهيئ أو تعد لهذا النوع من الحياة الغريبة و هذا السلوك العدواني المتطرف انها في اخر المطاف حصيلة ما تربت عليه أو ما غير من سلوكها .ماذا لو لم تتعرض هذه السباع للأسر و الحجز و تغيير السلوك ،أكان المطاف سينتهي بها لتفقد طبيعتها الحيوانية و تمسخ الى طببيعة أخرى يصعب توصيفها ؟ الانسان بغريزته التدميرية و الجاهلة تدخل في حياة الاسد و حوله الى ما هو عليه .


-و قصة البستاني الذي أغرم و تيمم بنبتته التي زرعها ،فمن شدة هيامه بها قرر رعايتها بشكل مضاعف حتى التدخل و بشكل مباشر و فعال في نموها و انباتها بأسرع وقت و رشها بمختلف المبيدات الكيماوية لتكبيرها بل أنه حاول تمطيطها لاعطائها النمو و الحجم الذي يريده هو . النتيجة أن هذا الفلاح أصيب بخيبة كبرى فعوض نبتة يانعة فأن الحقيقة نبتت مشوهة بل أن بعض النباتات استسلمت تحت الارض و بعضها لم يغادر سطح التربة .


ما كان هذا البستاني أن يتدخل في حياة النبتة .كان التصرف المطلوب منه هو مصاحبة النبتة بالتوفير لها الضوء و الماء و التربة .الاشياء الاخرى التي تحتاجها في نموها فيتكفل بها نظامها و تكوينها الداخليين .النمو منحة ربانية لا يحتاج الى تدخل الانسان لتغيير مساره أو ايقاعه .


الطفل و النبتة و الحيوات كائنات حية تشترك و تتشابه في كثير من نواحي التكوين و النمو .


علماء الخلايا العصبية و مربون مختصون في مجالهم يؤكدون بصفة قطعية أن الدماغ البشري يولد وفق تركيب جد معقد و قدرات هائلة تفوق الروعة و العظمة و الخيال .و لكن ما يفعله التعليم الالزامي هو تخفيض هذه القدرات الى الحد الأدنى و بتعاليم و تدابير وقائية شبيهة بالتطعيم للأطفال و ذلك للحفاظ على مصالح مجموعات مختلفة من السلط و المؤسسات السرية المؤثرة و الشركات المتعددة الجنسيات و الجمعيات التي تعمل في الظل و مؤسسات التربية الاستهلاكية و الاديولوجيات المختلفة .كل هذا الخليط الغريب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مسؤول عن وضع الحواجز امام الذكاء الانساني الطبيعي بمنظومة الالزامية و الاساسية و المجانية .


من جانب اخر لا يجب أن يغيب عن ذهننا اننا نمارس نظام تعليمي قديم عفا عنه الزمن ،فالتلاميذ ينتمون الى القرن الواحد و العشرين بينما النظام التعليمي ينتمي الى القرن التاسع عشر ,و هذه أغرب المفارقات .


و نحن في عصر المعلوميات و العلوم الدقيقة و لم يتوقف اختزال العالم الى قرية صغيرة بل اختزل حتى أصبح لمسة زر ،لا زلنا نقتات على قدارات النظام التعليمي البروسي /الجرماني .و كنت أشرت في مقالة من السلسلة سابقة جدور المدرسة الحالية ،و كيف ولدت من رحم المدرسة البروسية التي اخترع فكرتها و خطط لها المتنورون المستبدون و هم بالمناسبة اباء و أسلاف فرسان النظام العالمي الجديد ,كان الهدف من انشاء المدرسة بشكلها الحالي يتمثل مجملا في :


-اعداد عمال مهرة


-اعداد جنود وطنيين


-فصل الطفل عن محيطه الأسروي و اخراج المرأة لسوق الشغل لتدمير النواة الاولى للمجتمع :الاسرة


وسنلاحظ انه بعد سنوات ستدخل المانيا في حروب لم تتوقف حتى دمرت ألمانيا .


المدرسة البروسية وضعت و صممت وفق المدرسة الاسبارطية اليونانية القديمة .اسبارطة عكس أثينا حيت التعليم حر يمارسه الأحرار ,التعليم في اسبارطة كان عسكري و كان الطالب يلقن عن طريق العقوبات الشديدة و العزل عن المجتمع و التخويف و القمع النفسي و تغيير السلوك للحصول على جندي لا يتقن الا القتال و يطيع طاعة عمياء و هذا ما أذكى الحروب التي ستدخل فيها اسبارطة مع جيرانها


عسكرة النظام الدراسي البروسي تبدأ بعزل الطفل داخل أسوار المدرسة (على شاكلة أسوار السجن ) يحرس من طرف طاقم تربوي و اداري كي لا يفر و لا يغادر الا في الوقت المحدد .ثم يوضع تقسيم و تجزيء رهيب في السن و المستويات و المناهج .فالطفل يحرم من التعلم من مختلف الاجيال الكبير و الصغير بل يجب أن يتعلم مع أقرانه في السن و المستوى فقط ،لان ما يهدفون اليه هو ان يكون جميع الأطفال و بدون استثناء متساوون في كل شيئ و يعيدون نفس الأجوبة و لهم نفس المستوى في التفكير و اكتساب المعارف و ينكرون عليهم الفروقات الفردية و الذكاءات المتعددة .انهم متى صنفوهم في مجموعات سهل عليهم احصائهم و تعدادهم فيختزل الطفل و انسانيته و قدراته الى شيئ لا معنى له:أرقام ,أعداد ,حسابات ...لا شيئ .و عوض أن تكون المناهج و البرامج أداة و وسيلة في خدمة الطفل أصبحنا نعايش كيف أن الطفل أصبح و سيلة من وسائل البرامج و الوسائل .


حينما فكر البروسيون المتنورون المستبدون في تصميم شكل المدرسة استنسخوا الشكل الهندسي للسجن باسواره و حراسه و ردهاته و وزنزاناته و جرسه المقيت و استنسخوا العزل و العقاب الجسدي و النفسي و الانضباط و الصفوف المنضبطة و كل هذا كان يهدف الى تغيير السلوك .أما من ناحية جوهر الممدرسة فقد انتهى بهم المطاف الى استنساخ المعمل و بنيته و طريقة عمله لانهم اعتبروا الطفل مثل مادة خامة يجب تحويلها الى منتج نهائي و لكي يتم ذالك وجب تمرير هذه المادة عبر نقط تحويل و انتاج و في كل مرحلة سوف تعرف تغييرا في مكوناتها و بنيتها الى أن تأخد شكلها النهائي الذي يجب أن يكون متطابقا مع ما يتطلبه السوق .و هذا هو جوهر النظرية التايلورية لسلسلة الانتاج التي من كترة ملل عمال و اعادتهم لنفس العمليات طوال الساعة و اليوم و الشهر و دائما يتسرب الملل اليهم و يصيرون عبيدا و عمالا بلا روح و لا ابداع .حينما نهيكل التعليم وفق مستويات فاننا نحول شخصية الطفل و نمو الطفل و انسانية الطفل ، الى منتوج داخل مصنع يمر عبر محطات انتاج .هل تعليم الأدمي ضروري أن يمر عبر محطات محسوبة بالزمن ؟أليس التعليم شيء داخلي ينبع من داخل الانسان و لا يعترف و لا يخضع الا الى الايقاعات الشخصية لنفس الانسان . العصور الغابرة و السحيقة أفرزت عباقرة لم يخضع تعليمهم الى هذا التجزيء و التقسيم .


ان ما يؤسس له التعليم الالزامي هو دفع الفرد الى أقصى درجات العزلة و الفردانية و التنافس الشديد و التجهيل و حتى و هو يرفع أعلام الحرية والتكوين و التثفيف في الجوهر هو يمارس ضغطا رهيبا على الطفل لتغيير سلوكه ليتم تحويله لاحقا ، نموذجا للمواطن الطيع و المستهلك و المتقبل .و هكذا تضيع سنوات محورية من حياة الطفل يلقن فيها الطفل أشياء كثيرة ،القليل و القليل منها سينفعه لاحقا في المستقبل ،أشياء لا تنفعه في حياته العملية و تعايشه مع المجموعات و الافراد و الوسط .و كثير من المعارف النظرية التي يستحيل عليه تطبيقها في واقعه وفق موارده و امكانياته الذاتية .


في الحقيقة ما نفعله هو اننا نجعل من ذاكرة هذا الانسان الصغير وعاءا لقمامة نظريات تربوية مريبة و شيطانية .


أتصور كيف يصل الطفل الى الخامسة عشر من عمره منهكا منزوعا من اسلحته الفكرية و المعرفية و كأنه حاسوب أعيدت برمجته (فورمطاج) و بالمناسبة هذه السنة هي متوسط نهاية التعليم الاساسي في أغلب بلدان العالم .يصل الطفل و قد أفرغ عقله من الذكاء الغريزي و الطبيعي لانه طوال سنوات الدراسة الأساسية فقد امكانيات عقلية و حسية و فكرية طبيعية و استبدلها بكفايات و أهداف اقتصادية محضة ليصبح بعد دلك رقما في منظومة اقتصادية و أمنية و اجتماعية و ادارية و اعلامية جد معقدة يستحيل عليه التحرر منها و الخروج من دائرتها .


و يتم تعريض الطفل الى عراقيل و مطبات انها على شكل امتحانات و اختبارات و في مواد مختلفة ،ما يفعلونه هو انهم يمتحنون قدرة الطفل على الحفظ عن ظهر قلب و التعبير عن ذلك -على شكل معلومات - فقط كدليل على النجاح الا أن الطفل سرعان ما سينسى ذلك سريعا حتى و لو اجاب في الامتحان لماذا ؟ ببساطة لان ما تعلمه الطفل بعيد كل البعد عن واقعه الجسدي و العاطفي .و طوال المدة التي لقن فيها الطفل كان هذا الاخير جالسا و جامدا و منصتا و متقبلا ممنوع عليه الحركة و الفعل أي الاستكشاف الحقيقي .و الخلايا العصبية لا تنشط و تتفاعل الا الفرح و الفعل و الحركة و العاطفة و ليس مع معلم واقف أما سبورة أبدية يشرح للطفل ماذا يجب فعله .




















حوالي 80 في المائة سوف يفقدون الذكاء الطبيعي لدى بلوغهم سن الخامسة عشر ،السن المفترضة لنهاية التعليم الاجباري و هذه حقائق علمية يعرفها مربون و توصل اليها علماء مختصون في الخلايا العصبية، مع الاسف فالأبحاث المتقدمة في هذا المجال العصبي ممنوعة على الجمهور العالمي و الانساني و لا يتم تداولها الا بين الاوساط الاستخباراتية و العسكرية .لانهم يدركون جيدا أن علم الخلايا العصبية الحديث سيمكن الانسان من حل بعض المشاكل العالقة في الصحة و التعليم ..بل و حتى التعايش و نبد الفرقة و التعصب .و لكن مؤسسات بروتن وودز (الامم المتحدة و جرائها –بالمعنى القدحي المغربي) و هي بالمناسبة مؤسسات المنتصرين في الحرب العالمية تفضل أن تعالج المرضى النفسيين بمسكنات تدميرية و تساهم في نمو الأطفال في اتجاه معاكس تماما للنمو .


يجب أن نعرف أن القاعدة الذهبية و الاساسية التي ينبني عليها التعليم الاجباري الاساسي و المجاني هي وضع منظومة للتحكم العقلي في الافراد و الجماعات و تدجينهم على قيم و معايير محددة سلفا المستهلكين للقيم الفكرية و الاديلوجية التي تحافظ على مصالح الطبقة المهيمنة .و لا تهمها المواطنة بقدر ما يهمها سيادة ثقافة القطيع ,من أجل الحفاظ و الابقاء على نفس الثقافة و اعادة انتاجها .ثقافة الرعايا -لا المواطنين - الذين يملأ الخوف دواخلهم ،طيعين و مستهلكين و عاملين طول حياتهم و متعهدين بالوفاء للواجبات فقط.
















 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق