التربية الالزامية و الأساسية و المجانية و الطفل المتهم
نحن امام نظام مغلق عكس ما يبدو من الوهلة
الاولى .نظام تعلييمي لا يعترف بالتربية
فقط بل يحاول ازالتها من الواقع المدرسي .
نضع النظام التقليدي في قفص الاتهام و ننسى
أو نتناسى أنه على مر العصور لم تكن هناك برامج و لا تخطيطات للتعلم و لا مدرسة
مسيجة مكانا و زمانا كالمدرسة التي نعرفها حاليا بالشكل الحديث ،
ثم نهرول و نستورد خرداوات المناهج و البرامج
التربوية و ننزلها على أرض واقع لا يستحيل فيه تطبيقها فقط بل أنها في بنيتها
تجانب التربية و التعليم .
و طبيعي أن تفشل هذه الاصلاحات المتكررة
,لانها في جوهرها تدابير ذات جدوى اقتصادية
لا تروم تنمية الطفل الا في المسار المحدد و المقنن الذي يخدم مصالحها .كما أن هذه
الاصلاحات تضع الحكمة الميكيافيلية في اصلاحاتها :الوقت هو المال .فما يهمها أن
تمول تعليما يستجيب لحاجيات السوق من جهة و من جهة أخرى يعيد انتاج نفس الثقافة السائدة
و ذلك في أقل مدة و أقل التكاليف .أليس هذا هو مفهوم انتاج السلع ؟ربح الوقت و
تقزيم التكاليف .
و لكن الثغرة الكبرى في هذه الاصلاحات هي
الغياب الكلي للطفل كفاعل في العملية التعليمية و التربوية و ليس كسلعة مصنعة توضع
لها أساساتها و قوانين تصنيعها ’و تنتقل من مرحلة انتاج الى أخرى الى أن تصل الى
المرحلة النهائية و تعرض في السوق ..ما معنى تدرج تربية الطفل و تعليمه وفق قوانين
سلم محدد؟ المرحلة النهائية للمتعلم هي التخرج و من تمة عرضه على السوق ليخضع
للطلب و العرض .,,,أهل هذا كل يريده الفرد
في الحياة ؟ و هل هذه التربية التدجينية هي المغزى العميق
للحياة ؟
ما هو أكيد أن المدرسة لا تعد الطفل الى
الحياة بقدر ما تعده الى قوانين السوق اللانسانية و المجحفة .
المدرسة الأساسية و المجانية و الاجبارية
عادة ما ترفع رايات براقة: التعليم حق الجميع ’ تعميم التعليم على جميع الفئات و
المستويات و المناطق ..التكافئ في الفرص ...لكن واقعها ينتج وضعا معكوسا .و لسنا
في حاجة الى التذكير بمذابح التعليم و ما
أصبحت المدرسة تنتجه من فشل و تمزق على جميع المستويات .
السواد الاعظم من المربين الزملاء يستهينون بمفاهيم من قبل المجانية و الالزامية و الاساسية ,و لا يحاولون التساؤل عن الخلفيات الحقيقية لهذه المفاهيم التي تنظم كل ما يجري داخل المدرسة .
التعليم الاجباري و الالزامي و الاساسي هو
تدمير و تقزيم للقدرات اللانهائية للطفل التي أعطاها له الله .و اذا كانت الحياة
تضع رهن انسانيتنا سلسلة لا نهائية من الاهداف و الكفايات ’ فان التعليم الالزامي يعمل بطريقة نشطة على
الحد من التعرف و تعلم الكفايات الحياتية الاخرى بوضع منظومة دائرة من الكفايات المختزاة جدا , ترتبط فيما
بينها لتخدم الجانب الاقتصادي البحث .أما
التعايش بين الافراد و داخل المجموعات و
الهدف الجماعي الذي تحيا من أجله فهو مغيب
(بفتح الياء) تماما بل أريد تغييبه,
التعليم الالزامي يتخد التدابير الوقائية مثل
حملات التلقيح ,فالدولة في جميع أدبياتها و التقارير و التوصيات الخارجية لا تمل
من تذكيرنا بتعميم التعليم نوعا و عددا .هذا الاهتمام الزائد عن اللزوم يجب أن
يوضع فوق طاولة الشك ,و هذا التهافت و الاصرار على تلقيح عقول الاطفال بأفكار
مسبقة و معدة بعناية فائقة ,يخطئ كثيرا من يظن أن هذا العلم نور .
التعليم الالزامي هومن الوهلة تعليم وقائي ضد الامية و الجهل و اللاتكافئ و
العبودية ...و يجب تلقيح الجميع بهذا
اللقاح و بشكل محدد و كاف لمحاصرة العدوى و الفيروسات للوصول الى ما يصطلح عليه
"مناعة القطيع".
المناهج
التربوية و التعليمية التي نستعملها الان
تجوزتها التطورات و التغيرات و الاكتشافات العلمية ...و نحن لا ننظر في
قعرها لنرى صلاحية تاريخ استهلاكها أو مصدرها الحقيقي أو التربة الفلسفية التي
نبتت في حقلها ’ .بل أن هذه المناهج تعتبر مفرملة نشطة لتنمية الافكر و الابداع و
الفضول لدى الأطفال.
و الطفل حينما يأتي الى المدرسة تتكلف
المدرسة بأعطائه جميع الاجوبة لتساؤلاته عن الحياة ’ لكن هذه الاجوبة ما لا يعلن
عنه هو أن هذه الاجوبة الجاهزة و المعلبة تخرج من رحم الفلسفة و السياسة و الأديان ..و ها
نحن مع التطور نعاين كيف انضافت مؤسسات
دولية مريبة و ذات أبعاد تدميرية للانسانية في وضع الاجوبة التي ستوفرها المدرسة للطفل و
فرض توصيات غريبة و لا طبيعية على المناهج الدراسية .
لا أظن أنه توجد توجد متعة فوق هذه الأرض
فاقت متعة التعلم وممارسة الأشياء ,و ان نعمة التعلم من أروع ما خلق لنا الله
تعالى ,النفس البشرية بفطرتها ميالة الى التعلم و التقصي و البحث و الممارسة ...كل
هذه العمليات يستمتع بها الفرد و يمارسها بسهولة و يسر متى اقتنع بها و لبت رغبته
الداخلية .
الطفل خارج المدرسة , بطبعه و طبيعته فضولي
ميال الى معرفة الاشياء الجديدة و استكشافها بل أن قدراته الفضولية تفوق مثيلتها لدى البالغ ,لكن الغريب أن الطفل
داخل المدرسة يضيع تحت مقصلة الصمت و تهدر قدراته الابداعية و الاستكشافية لان
جميع ما سيتعلمه سيمده به الأستاذ و سيعفيه من اشكالية التفكير .فالأجوبة جاهزة وفق قوالب محددة .و
مطلوب و منتظر من التلاميذ ان تكون جميع أجوبتهم متشابهة .و مع مرور الوقت
عوض أن نعلم هذا الطفل ليصطاد السمك بنفسه ,نحن نعلمه أن ينتظرنا لنصطاد السمك و
نجود عليه بالقليل .
الله امد الكائن البشري الصغير بعقل و العلماء المهتمين بالدماغ يتوقفون مندهشين من
الاكتشافات الحديثة للمرونة الهائلة
للدماغ
plasticidad cerebral
و
قدرته الهائلة للتعلم . لكن مع الاسف أذه الاشياء غالبا ما تهدر داخل أسوار
المدرسة .الطفل ليس فاشلا بل النظام المدرسي هو الفاشل
نحن مطالبين بالبحث عن نماذج تعليمية
بديلة و نهج بيداغوجيا تستجيب للاحتياجات
الطبيعية للطفل ,
و في هذا التعليم نتناسى أن المتهم دائما هو
التلميذ أو الطفل ’لان تهمته مزدوجة التهمة الاولى هي أنه صغير لا يمكنه الدفاع عن نفسه و الاهتمام بها و التهمة الثانية أنه جاهل’ لا يعرف
و يجهل الكثير ’ و علينا نحن أن نحاكم هذا الطفل و ننزل عليه أشد عقاب لا
انساني بتعويده و تدجينه للذهاب الى سجنه كل يوم بأرادته و هذا السجن هو مدرسة
تحدها الاسوار و الحيطان و الاقسام و المناهج و البرامج المعدة سلفا ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق