السبت، 1 أكتوبر 2016

التعليم كما عايشته'(21)

التربية الالزامية و الأساسية و المجانية و الطفل المتهم 
نحن امام نظام مغلق عكس ما يبدو من الوهلة الاولى .نظام  تعلييمي لا يعترف بالتربية فقط بل يحاول ازالتها من الواقع المدرسي .
نضع النظام التقليدي في قفص الاتهام و ننسى أو نتناسى أنه على مر العصور لم تكن هناك برامج و لا تخطيطات للتعلم و لا مدرسة مسيجة مكانا و زمانا كالمدرسة التي نعرفها حاليا بالشكل الحديث ،
ثم نهرول و نستورد خرداوات المناهج و البرامج التربوية و ننزلها على أرض واقع لا يستحيل فيه تطبيقها فقط بل أنها في بنيتها تجانب التربية و التعليم .
و طبيعي أن تفشل هذه الاصلاحات المتكررة ,لانها في جوهرها  تدابير ذات جدوى اقتصادية لا تروم تنمية الطفل الا في المسار المحدد و المقنن الذي يخدم مصالحها .كما أن هذه الاصلاحات تضع الحكمة الميكيافيلية في اصلاحاتها :الوقت هو المال .فما يهمها أن تمول تعليما يستجيب لحاجيات السوق من جهة و من جهة أخرى يعيد انتاج نفس الثقافة السائدة و ذلك في أقل مدة و أقل التكاليف .أليس هذا هو مفهوم انتاج السلع ؟ربح الوقت و تقزيم التكاليف .
و لكن الثغرة الكبرى في هذه الاصلاحات هي الغياب الكلي للطفل كفاعل في العملية التعليمية و التربوية و ليس كسلعة مصنعة توضع لها أساساتها و قوانين تصنيعها ’و تنتقل من مرحلة انتاج الى أخرى الى أن تصل الى المرحلة النهائية و تعرض في السوق ..ما معنى تدرج تربية الطفل و تعليمه وفق قوانين سلم محدد؟ المرحلة النهائية للمتعلم هي التخرج و من تمة عرضه على السوق ليخضع للطلب و العرض .,,,أهل هذا كل  يريده الفرد في الحياة ؟ و هل هذه التربية  التدجينية  هي  المغزى العميق  للحياة ؟
ما هو أكيد أن المدرسة لا تعد الطفل الى الحياة بقدر ما تعده الى قوانين السوق اللانسانية و المجحفة .
المدرسة الأساسية و المجانية و الاجبارية عادة ما ترفع رايات براقة: التعليم حق الجميع ’ تعميم التعليم على جميع الفئات و المستويات و المناطق ..التكافئ في الفرص ...لكن واقعها ينتج وضعا معكوسا .و لسنا في حاجة الى التذكير بمذابح  التعليم و ما أصبحت المدرسة تنتجه من فشل و تمزق على جميع المستويات .

السواد الاعظم من المربين الزملاء  يستهينون بمفاهيم من قبل المجانية و الالزامية و الاساسية ,و لا يحاولون التساؤل  عن الخلفيات الحقيقية لهذه المفاهيم التي تنظم كل ما يجري داخل المدرسة .

التعليم الاجباري و الالزامي و الاساسي هو تدمير و تقزيم للقدرات اللانهائية للطفل التي أعطاها له الله .و اذا كانت الحياة تضع رهن انسانيتنا سلسلة لا نهائية من الاهداف و الكفايات  ’ فان التعليم الالزامي يعمل بطريقة نشطة على الحد  من التعرف و تعلم   الكفايات الحياتية  الاخرى بوضع منظومة  دائرة من الكفايات المختزاة جدا , ترتبط فيما بينها  لتخدم الجانب الاقتصادي البحث .أما التعايش بين الافراد و داخل  المجموعات و الهدف الجماعي  الذي تحيا من أجله فهو مغيب (بفتح الياء) تماما بل أريد تغييبه,
التعليم الالزامي يتخد التدابير الوقائية مثل حملات التلقيح ,فالدولة في جميع أدبياتها و التقارير و التوصيات الخارجية لا تمل من تذكيرنا بتعميم التعليم نوعا و عددا .هذا الاهتمام الزائد عن اللزوم يجب أن يوضع فوق طاولة الشك ,و هذا التهافت و الاصرار على تلقيح عقول الاطفال بأفكار مسبقة و معدة بعناية فائقة ,يخطئ كثيرا من يظن أن هذا العلم نور .
التعليم الالزامي هومن الوهلة   تعليم وقائي ضد الامية و الجهل و اللاتكافئ و العبودية  ...و يجب تلقيح الجميع بهذا اللقاح و بشكل محدد و كاف لمحاصرة العدوى و الفيروسات للوصول الى ما يصطلح عليه "مناعة القطيع".
المناهج  التربوية و التعليمية التي نستعملها الان  تجوزتها التطورات و التغيرات و الاكتشافات العلمية ...و نحن لا ننظر في قعرها لنرى صلاحية تاريخ استهلاكها أو مصدرها الحقيقي أو التربة الفلسفية التي نبتت في حقلها ’ .بل أن هذه المناهج تعتبر مفرملة نشطة لتنمية الافكر و الابداع و الفضول لدى الأطفال.
و الطفل حينما يأتي الى المدرسة تتكلف المدرسة بأعطائه جميع الاجوبة لتساؤلاته عن الحياة ’ لكن هذه الاجوبة ما لا يعلن عنه هو أن هذه الاجوبة الجاهزة و المعلبة  تخرج من رحم الفلسفة و السياسة و الأديان ..و ها نحن مع التطور نعاين كيف  انضافت مؤسسات دولية مريبة و ذات أبعاد تدميرية للانسانية  في وضع الاجوبة التي ستوفرها المدرسة للطفل و فرض توصيات غريبة و لا طبيعية على المناهج الدراسية  .
لا أظن أنه توجد توجد متعة فوق هذه الأرض فاقت متعة التعلم وممارسة الأشياء ,و ان نعمة التعلم من أروع ما خلق لنا الله تعالى ,النفس البشرية بفطرتها ميالة الى التعلم و التقصي و البحث و الممارسة ...كل هذه العمليات يستمتع بها الفرد و يمارسها بسهولة و يسر متى اقتنع بها و لبت رغبته الداخلية .
الطفل خارج المدرسة , بطبعه و طبيعته فضولي ميال الى معرفة الاشياء الجديدة و استكشافها بل أن قدراته الفضولية  تفوق مثيلتها لدى البالغ ,لكن الغريب أن الطفل داخل المدرسة يضيع تحت مقصلة الصمت و تهدر قدراته الابداعية و الاستكشافية لان جميع ما سيتعلمه سيمده به الأستاذ و سيعفيه من اشكالية  التفكير .فالأجوبة جاهزة وفق قوالب محددة .و مطلوب و منتظر  من التلاميذ  ان تكون جميع أجوبتهم متشابهة .و مع مرور الوقت عوض أن نعلم هذا الطفل ليصطاد السمك بنفسه ,نحن نعلمه أن ينتظرنا لنصطاد السمك و نجود عليه بالقليل .
الله امد الكائن البشري الصغير بعقل  و العلماء المهتمين بالدماغ يتوقفون مندهشين من الاكتشافات الحديثة  للمرونة الهائلة للدماغ
plasticidad cerebral
 و قدرته الهائلة للتعلم . لكن مع الاسف أذه الاشياء غالبا ما تهدر داخل أسوار المدرسة .الطفل ليس فاشلا بل النظام المدرسي هو الفاشل
نحن مطالبين بالبحث عن نماذج تعليمية بديلة  و نهج بيداغوجيا تستجيب للاحتياجات الطبيعية للطفل ,
و في هذا التعليم نتناسى أن المتهم دائما هو التلميذ أو الطفل ’لان تهمته  مزدوجة  التهمة الاولى هي أنه صغير  لا يمكنه الدفاع عن نفسه و الاهتمام بها و التهمة الثانية أنه جاهل’ لا يعرف  و يجهل الكثير ’ و علينا نحن أن نحاكم هذا الطفل و ننزل عليه أشد عقاب لا انساني بتعويده و تدجينه للذهاب الى سجنه كل يوم بأرادته و هذا السجن هو مدرسة تحدها الاسوار و  الحيطان و الاقسام و  المناهج و البرامج المعدة سلفا ..





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق