الأحد، 5 أبريل 2020

رسالة الى الآباء في زمن كورونا

التعليم كما عايشته (53) :رسالة الى الآباء في زمن كورونا

رسالة الى الآباء في زمن كورونا

في هاته الأيام العصيبة ارتأيت أن أوجه لكم خطاب تواصلي . لقد اعتدت على عدم تواصلكم معي و عدم تفهمكم لوضعيتي كمعلم في المدرسة العمومية الأساسية و المجانية ، و عدم فهمكم لما أمارس .و عدم تفهمكم للظروف و الملابسات و الضغوطات المحيطة الخانقة . 


حينما تغيب الزوجة عن المنزل يكتشف الزوج جسامة ما تقوم به زوجته في المنزل . أما حينما يغيب المعلم أظن أن النظام داخل الأسرة يختل : عطالة الأطفال و دخولهم في ممر من الفراغ .و الخروج من الممر يجب أن يكون سالما . غياب الزوجة سيجعل البيت يفقد ذلك التوازن الاحترافي التي توفره الزوجة و لفترة محددة و ليست دائمة  ، أما غياب المعلم فهذا يعني عطالة من الممكن أن تمتد عواقبها إلى المستقبل .
غالبا ما تتحول الفصول إلى معركة  يكون كل وزرها على المعلم .الأطفال لا يحترمون القواعد و لا يحترمون المعلم لأنكم ربيتموهم على القيام بكل ما يريدون و مطلوب من المعلم إعادة تربيتهم  و تقويم الاعوجاج في وقت أصبح مجرد أبسط تعنيف لفظي يخرج من فم المعلم في لحظة انفعال إنسانية ، هو جريمة كاملة الأركان في حد ذاتها .و هذا جانب ، القليل من ينتبه له  ،و يحملون المعلم مسؤولية عدم التربية لطفلهم .



·     توفير القدوة الحسنة : حينما تحث طفلك على الاجتهاد ، يجب عليك أن تبين له ذلك في سلوك مرئي من جانبك : ساعده في دروسه و فهمها له جيدا و لا تتبرم في ذلك إن كان بطيء الفهم أو إن كان شاردا أو ان كان سريع الحركة . كن أبا مثاليا و افتح كتب علم النفس و حدد تصنيف ابنك و سلوكياته و فتش عن طريقة ملائمة لتدريس ابنك و فلده كبدك . المعلم يفعل هاته الأشياء و لكن كما ترى يا سيدي نحن في وقت اخلاء مدرسي و حجر صحي .ضع نفسك مكاني .
·     إذا كنت من اللذين لا يجدون الوقت للالتفات إلى المستوى الحقيقي لأطفالك و يتعجبون حينما يكتشفون شيئا مبهرا عن طفلهم . إليك الفرصة سانحة يا سيدي . إذا واكبت تدريس طفلك بكل جدية و كفاءة ستكون لك الفرصة الكبرى لاكتشاف مهارات و قدرات و اهتمامات تنتظر منك أن تكون حاسما في تنميتها ..و من يكون حاسما في ذلك غيرك ؟ ثق في نفسك و اعلم أن أحسن تربية و أجودها على وجه الإطلاق هي التربية التي يعطيها الوالدين .
·     أنا كمعلم أوفر لابنك وسائل تعليمية قد لا توفرها لي الدولة ، و من أجل تحققها أتحمل وزرها المادي و المعنوي . هل لك القدرة على العمل مثلي لتوفر له الوسائل التعليمية التي أنهك أنفاسي في تحضيرها له ؟
·     أنا أوفر لابنك حماية و هو في المدرسة و هو في القسم ، حماية من الإخطار و من الجهل و من التضليل الإعلامي و الاجتماعي ، احميه ضد القيم الفاسدة و الخرافات ..أحميه من أجل كيانكم العائلي و من أجل سلطتكم و لا أمل من تذكيره بطاعة الآباء مقرنا ذلك بالدخول إلى الجنة ..أترك لكم حماية ابنكم و إنا متيقن أنكم ستقومون بها بشكل أفضل مني . لماذا ؟ ببساطة لأنكم آباء .
·     من أهم السلوكيات عندنا في المدرسة هي الانضباط . من الممكن أن تجدوا استحالة في تدريس شخصين أو ثلاث أشخاص . هل ينضبط طفلك بتوفير أدوات عمله و الانتباه إلى شروحاتكم المتكررة  ؟ هل تشعرون بالإحباط أو الاستياء حينما لا يستوعب طفلكم شيئا ما ؟ تذكروا أن إحساسات مثل هاته هي خبز يومي للمعلم .ربما آن الوقت أن تجربونها و أن تلبسوا جلد المعلم و لو لفترة قصيرة . نتمنى أن لا تدوم .
·     تنفيذ العملية التعليمية تتطلب من  المعلمين  إيصال المعارف و  المعلومات العلمية والمهارات والمتابعة والتقويم ... و خلاصة القول هناك إستراتيجية صعبة لنقل المعرفة و لكنها ليست مستحيلة . إستراتيجية التدريس تتطلب سهر الليالي و نكران الذات و العمل المضني في الوقت الذي تتوقف فيه جميع الفئات الاجتماعية الأخرى عن العمل في ذلك الوقت . المعلم يأخذ هموم طفلكم معه  الى المنزل . نترك لكم هاته الهموم مع الاسف الشديد نتمنى أن تزيحوها عن أطفالكم لأنهم بدون معلميهم هم الآن محتاجين لكم .
·     مع الأسف التواصل معكم كأسرة ليس في  المستوى المنشود له . و لكننا تعودنا على حل مشاكل أبنائكم من دون إزعاجكم فحل الخلافات بين أطفالكم هو خبز يومي لنا و لا أحد يلتفت إلى المعلم . مرة أخرى تجدونني جد متأسف إذ  أوكلت  لكم هذه المهمة الأخرى التي أقوم بها و لا أحد التفت مقدرا ما أفعله .
·      العمل على تشجيع مواهب أبنائكم  والعمل على تنميتها المهمة الأولية للمعلم . و أنا أؤكد لكم أن هذه المهمة يمكن أن تبرعوا فيها أحسن من المعلمين ، لان المعلمين ليس لديهم الزمان و المكان لبعض التطبيقات و أنتم لديكم كل شيء .
·      نحن معشر المعلمين تبرمج عقولنا حتى نصبح مثل آلات إنسانية ليس من حقها التبرم ، تمتلك أذن مصغية وصدر رحب للاستماع إلى أبنائكم  وحل مشكلاتهم. و قد لا نتضايق و لو أخطأ و أخطا ابنكم مرات عديدة ...هل تأخذون كرسينا و تستريحوا فيه و تواجهوا مشكلة ابنكم الوحيد ..أنا أواجه مشاكل قسم بكامله .
·     نحن المعلمين نراعي الصفة العمرية لابنكم : نتقمص دور طفل قاصر لنتواصل مع ابنكم و لنبسط له الدروس و المفاهيم و نفتح معه حوارا بصدر رحب و بدون تبرم للتعرف على حالته النفسية و التعامل معه بشكل ملائم . هل ستقومون بهذا في هذه الأيام العصيبة ؟ و هل ستجدون وقتا للسهر على ابنكم بصدر رحب في زحمة انشغالاتكم بوسائط التواصل الاجتماعي و التلفزة الرقمية ؟
·     أنتم الآن مدرسين لأبنائكم و لا نشك أبدا في نيتكم و إيمانكم و ايجابيتكم لهذا العمل العظيم . فقط ، لا تنسوا أنكم كمعلمين مطالبين بشكل دائم بتطوير أنفسكم  وقدراتكم ومهاراتكم في التعامل مع التدريس و التلقين . و لا شك أن التحدي الأكبر في الحياة هو تطويع أنفسنا و تطويرها لاكتساب هاته المهارات .
·     و لا بأس أن تكونوا ذات ثقافة واسعة مما يجعل من السهل عليكم  التعامل مع أبنائكم  بمختلف قدراتهم ومهاراتهم .
·     هل ستكون لكم القدرة على تحديد جدول دراسي و الالتزام به حتى لا يفقد ابنكم لياقته التعلمية و الفكرية و المعرفية ؟ و هذا ما يفعله المعلم دائما .
·     من المهم أن تقرر خلال وقت الدراسة ما الذي تدرسه ، وما هي النقطة ، وما المحتوى المحدد..؟ هذا ما نفعله نحن المعلمين  يوميا و في كل لحظة ، أرجو أن تركز على هذه النقطة . و مع الأسف إن كانت عبئا إضافيا  و هي بمثابة الصعود إلى جبل أن تعرف الحاجيات الحقيقية لطفلك و تكيف تعليمك وفقها .
·     مسؤوليتي الكبرى في التعليم إضافة لتلقين ابنكم المعارف و المهارات ، تتمثل في تربية ابنكم على القيم و الاحترام و التعاطف و التسامح و هي أشياء لا غنى عليه لتحقيق التوازن في الحياة لابنكم .و لا أخفي عليكم أنني لا أحقق نجاحات كبيرة في هذا الجانب المعتم . فكل ما أبنيه و أشيده  في المدرسة يكون أشبه بقلاع من الرمل سرعان ما ستمحيها و تدكها  أمواج برامج التلفزيون و تطبيقات  الهاتف .مطلوب منكم أن تقفوا في هذا الوقت الفارغ و تتصدوا إلى البرامج المفسدة للعقل و الذوق والتي تعمل بشكل نشط على  تحديد للذكاء .
·     حينما نقول لكم أن ابنكم إن عاش بلا حدود ، بلا شك لن يكون سعيدا في المستقبل ، المطلوب وضع سلسلة قواعد كما يضعها المعلم للحفاظ على الإطار الرسمي و النفسي للتعلم . المطلوب منكم تصحيح السلوكيات السيئة أو الغير الحسنة لطفلكم ، مطلوب منكم أن لا تتفرجوا على طفلكم و هو يتجه إلى المستقبل و كله إحباط نفسي . نتمنى أن تتصرفوا بدون أن تفقدوا الصبر .
·     ربما لا يحتاج ابنكم إلى معلم يعلمه الرياضيات أو اللغات أو التاريخ ..يحتاج قبل ذلك والدين و أولياء أمور ليرافقونهم في المستقبل و يوفرون لهم ذلك المخزون بلا حدود :الدعم العاطفي . إليكم الفرصة  لممارسة الأبوة .
·     يتعلم طفلكم الكثير من الأشياء في منزلكم ، و مع ذلك فان المدرسة هي التي تجلب لكم إلى البيت  - عبر الطفل – مفردات جديدة و قصص جديدة و أناشيد جديدة  و أسئلة جديدة ...و هذا بالضبط ما يجعل عملية تعلم ابنكم ثرية . مطلوب منك سد الفراغ الذي تركه المعلم
هذه بعض المهمات فقط  التي يقوم بها المعلم و لا يلتفت إليها المجتمع  ، ندعوكم أن تتقمصوا الأدوار التي يقوم بها المعلم لعل و عسى في المستقبل لن تنضموا إلى  الغارات و الحملات التي تشن على المعلمين و تشكك في مصداقيتهم و تحملهم سبب إفشال المدرسة العمومية الفقيرة . و لتعرفوا أن أي إصلاح  حقيقي للتعليم لا يعطي للمعلم المكانة المتميزة ماديا و معنويا ، هو إصلاح محكوم بالفشل .لأننا كمن يمارس التدريس بلا مدرس .
شكرا على صبركم على هذا الكلام الطويل و الذي يجده البعض مملا ، و هذا من خياره . و إن كانت لي تحية و وقفة إجلال كمعلم و مربي ، فسأقف إجلالا  أمام من يمارس أبوتهم بشكل صحيح .
دمتم بخير .


Image associée

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق