الجمعة، 29 يوليو 2016

التعليم كما عايشته ( 17)

رسالة لم تصل بعد من تلميذ الى معلمه

عزيزي المعلم
مرات عديدة حاولت أن و اردت ان اتكلم معك .و لكن للأسف لا نتكلم الا نادرا .و لا توجه الي الكلام الا اذا أعطيتني أمر أقوم بتنفيده.و خلاصة القول نادرا ما يكون بيننا كلام.


انت تعرف أشياء قليلة عني .مثلا بالنسبة اليك أنا التلميذ رقم 46 و الاخير في الصف الرابع .انا التلميذ الذي يتكلم كثيرا و لا يتوقف عن مضايقة أصدقاءه و نادرا ما يقوم بواجباته .و انا التلميذ الذي لا يحوز على اعجابك و لم يحدث أن كلفته بمهمة داخل او خارج القسم .و انا التلميذ صاحب الغزوات و القلائل الذي يوجع دماغك و يخرجك عن صبرك .
عندي 10 سنوات .العين لا تخطئ اني ابو التلاميذ و أكبرهم .انا خمري اللون و شعري ليس أملس كبقية التلاميذ انه أكرد من المستحيل أن يصلح ل "التشيتشي" .و جهي طويل يبرز اسنان غير مرصفة .خلاصة الوصف اني لا أحظى بملامح يرتاح اليها من يتعامل معي و هذا يسبب لي ألما داخليا فظيعا .و لا أعرف لماذا يفضلون دائما ذوي الشكل المقبول و الحسن على أمثالي و الذين تنقصهم الوسامة ؟هذا التفضيل يصل حتى الى التقديرات و النقط .
و رغم ان الحياة و خاصة في هذه المرحلة جميلة لكن مع الأسف فأنا لا أتمتع بها لاني لم اعرف الا فصلا واحدا في حياتي و هو فصل الخريف.انا اما خطأ في الطبيعة أو شاذ عن ما حولي سأهمس في أدنك لأقول لك انني انسان لا تتعاقب عليه الفصول .و من ظن انني سوف أشعر بالملل و الرتابة فهو لا يعرف شيئا .ما أشعر به هو التمزق و أقصى درجات العزلة .
في هذه المرحلة بالذات ,اقول لك انني في أمس الحاجة اليك يا أستاذي لأنك الوحيد الذي تبقى لي و بامكانه تحديد شكلي المستقبلي و ما سوف أكون عليه .لانك أنت البديل عن والدي الذي لا أتذكر شكله و عن أمي التي ترجع في اخر الليل منهكة من عملها في المقهى .لا حظ انني أجالسك لعدة ساعات في اليوم اكثر مما اجالس فيه الأخرين ,و هذه فرصة لك لتكون لي خير معين لتشكيل شخصيتي .
أنا تلميذ صعب .أعرف هذا جيدا و أود ان أسر لك أن هذا يحرجني و يعذبني و يعزلني و يقصيني .و حتى عندما أريد أن أدافع عن نفسي لا أحد يصدقني .و لا أحد يسمعني و لا غرابة اني أكلم نفسي كثيرا لان ما أخافه هو السخرية المريرة من الأخرين .
كل ما اطلبه منك أستاذي أن لا تقلل من احترامي .و لا تخطئ في تقديري .و لا تضعني في موقف سخيف أمام زملائي .و لا تضع لي ألقاب أو ملاحظات عن عدم أهليتي .فهذه الاشياء تألمني و تحدث في الكثير و الكثير من الضرر الذي أجد صعوبة في تجاوزه .
يا استاذي ما انا الا بشر و من غير المستبعد أن أبقى في وسطكم بلا قلب و لا نظر . و نحن معشر البشر نحس قبل ان نفكر و اذا أردت التواصل الحقيقي و المجدي معي تعامل مع أحاسيسي قبل عقلي .و أكيد أنك ستربحني الى جانبك
يا أستاذ في الوقت الذي تريد تعليمي فيه لا تدري كم أنا مدمر و ممزق عاطفيا و نفسيا و غير سعيد بتاتا.كيف تريدنني أن اتعلم و انا غير فرح و سعيد ؟الاغريق و في عصرغابر من الزمان اكتشفوا سر التعلم .و أن الطفل لا يمكن ان يتعلم اذا لم يكن سعيدا و فرحا .و العلوم الحديثة المهتمة بالخلايا العصبية أكدت صحة ذلك .متى كان الفرح صحنا كبيرا تمتد اليه كل الايادي في القسم و تتشارك في التهامه ؟ المحظوظون و المتفوقون هم يلتهمون الصحن كله و يتركوا لنا الفضلات .
اذا انت استمعت الي و انا اتكلم و نظرت في عيني و خصصتني بالتفاتتك و احتضنتني بتفهمك كن متيقنا يا أستاذي اني سأتعلم منك الاستماع و الاحترام الانساني للذي اتواصل معه و سأقلد حتى طريقتك في النطق و التساؤل و التعجب و الابتسام ... ألا تريد أن تكون نجما و يكون لك معجبين حقيقيين لا يتزلفون ,معجبين يكنون لك حبا لا تجده في أي مكان في هذا العالم .
اذا لم استوعب او لم افهم أرجوك لا تنزعج .فانا اول منزعج لاني احس بتقصيري و عجزي .
نقطك التصنيفية و ملاحظاتك التوصيفية لا تضعها بطريقة اعتباطية لانها جد مهمة و تمثل الكثير بالنسبة الي .
لا تغفل ولا تنسى يا معلمي لانك بقياس تعلماتي ,انت في نفس الوقت تقيس تعليمك أنت .
في بعض الاحيان احفظ كثييرا لكنني في وقت الفروض انسى و لا أتذكر ,بدم بارد و ببشاشة يمكن ان تدعوني التذكر و تعطيني نصائح عملية و خطوات مجدية لاتباعها .لكن ان استعملت معي الحزم الشديد و الغلضة و القسوة فانك تدفعني الى الخجل و الكذب و النفاق و مثل هاته الأشياء توصلني الى الانانية و العجز عن العمل و عدم القدرة على اتخاد القرارات المسؤولة.رجاء يا أستاذي علمني كيف اتخد القرارات و اكون مسؤولا عن أفعالي .
تحاور معي اكثر ة علمني أن أقول الحقيقة و أصل الى الحقيقة .
لا تعلمني فقط قراءة الكتب العلمية و التاريخ و التراكيب ...علمني أكثر عن هذه الالام في هذا الوطن و عن رجالاته الذين ضحوا من أجل أن نصل الى هذه المحطة و ناضلوا من أجل ان يكون مجتمعنا اكثر عدلا .اريد رموز أقتدي بها عوض الرموز الكرتونية و الكروية التي تحاصرني في التلفزة و الالعاب و المحافظ و الدفاتر .
مئات من التلاميذ يمرون من أمامك عبر السنوات دون أن تعبأ بهم أو تعرف ما في دواخلهم و أنا لست الا واحدا منهم ,و رغم ذلك ما تقوله و ما تفعله يساعد كثيرا على تكوين شخصياتنا .و نحتنا و العثور على هويتنا ,
أتصور ان التربية ليست بالشيئ الهين و لكنها تبقى المفتاح الوحيد للانتاجية و الازدهار و السلام.
عزيزي المعلم ،رسولك ومصطفاك ، قال: (إن الله وملائكته ،حتى النملة في جحرها ،وحتى الحوت في البحر ،ليصلون على معلم الناس الخير).رواه الطبراني في الكبير والضياء عن ابي أُمامة وصححه الألباني في صحيح الجامع
أهناك بشرى أحسن من هذه البشرى ؟ لا تتوقف عن تعليم الخير .
مع امتناني و تقديري لك.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق