الجمعة، 29 يوليو 2016

التعليم كما عايشته (18)

التربية الأساسية و الإلزامية

مقدمة :
ظهور التربية الإلزامية كان بغرض العمل على تكافئ الفرص بين جميع الطبقات الشعبية و تجاوز التعليم المسمى تقليدي و كذلك ربط التعليم بالتنمية و العمل المنتج ووضع المتعلم في إستراتيجية متكاملة لتعليم يحقق التكامل لشخصية الفرد والنماء للمجتمع...مثل هذه الأشياء تروج لها جميع الأدبيات التربوية في جميع أنحاء العالم .


كما أن هناك من ينتقد التربية الإلزامية بكونها صيغة أعدت للدول النامية للسيطرة عليها بطريقة أخرى لما ترحل جيوشها الغازية و المستعمرة .و إذا كان استغلال خيرات هذه الدول يحتاج إلى عمالة رخيصة و متدربة لها الجد الأدنى من التعلم.فان التربية الإلزامية تكفلت بتعليم و تكوين و تثقيف هؤلاء الأطفال لسد احتياجات الدولة و المعامل لطبقة عاملة .
جاءت تعريفات التعليم الأساسي متوافقة جول روح التربية الإلزامية متباينة أحياناً في بعض التفصيلات بين منظمة وأخرى: فالمنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)ترى أن التعليم الأساسي :صيغة تعليمية تهدف إلى تزويد كل طفل ـ مهما تفاوتت ظروفه الاجتماعية
والاقتصادية والثقافية ـ بالحد الأدنى الضروري من المعارف والمهارات والاتجاهات
والقيم التي تمكنه من تلبية حاجاته وتحقيق ذاته وتهيئته للإسهام في تنمية مجتمعه،
وتربط بين التعليم والعمل والعلم والحياة من جهة وبين الجوانب النظرية والجوانب التطبيقية من جهة أخرى في إطار التنمية الشاملة للمجتمع.
وتذكر المنظمة العالمية لرعاية الطفولة والأمومة
اليونيسيف أن التعليم الأساسي هو التعليم المطلوب للمشاركة في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وأن يشمله محو الأمية الوظيفية التي تجمع مهارات القراءة والكتابة والحساب مع المعارف والمهارات اللازمة للنشاط الإنتاجي وتخطيط الأسرة وتنظيمها والعناية بالصحة والنظافة الشخصية ورعاية الأطفال والتغذية
والخبرات اللازمة للإسهام في أمور المجتمع، ولذلك يسميه بعضهم بمحو الأمية
الحضارية.
ويركز البنك الدولي على التعليم الأساسي الذي يلبي الحاجات التعليمية الأساسية للمجموعات الكبرى من السكان الذين لم تتح لهم فرص الحصول على الحد الأدنى من التعليم، فهو مكمل للتعليم النظامي وموازٍ له. وهو يهدف إلى توفير تعليم وظيفي مرن قليل الكلفة للذين لا يستوعبهم التعليم النظامي أو من فاتتهم فرصته. ومع أن التعليم الابتدائي هو بداية التعليم الأساسي، إلا أن التعليم الأساسي يوازيه ويكمله
وقد دعت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في تقريرها المسمى إستراتيجية تطوير التربية العربية عام 1979 إلى الأخذ بالتعليم الأساسي لأهميته في تحقيق الفرص التعليمية وديمقراطية التعليم، ولدوره في التنمية الشاملة لأفراد المجتمع.
ما هذا الخليط الغير متجانس من المؤسسات التي تهتم بالتربية الإلزامية ؟ و التي في أخر المطاف هي من تطبق برامجها و مناهجها و لا برامج علماء التربية ؟
هل صحيح أن هذه المنظمات منكبة على تفعيل أحسن الوسائل لتعليمنا و تربيتنا و توجيه حياتنا الى الأفضل و الأرقى و الأحسن ؟
اذا كان البعض منا لا زال قاصرا فكريا ولا شك لديه في خدمات اليونسكو و اليونيسيف و ينظر اليها أنها منظمات خيرية لا هدف لها من برامجها غير تحسين حياتنا فهل يمكنه أن يثق في مؤسسة مثل البنك العالمي لتربية أبنائه؟؟؟
الإصلاحات التربوية في غالب الأحيان تكون عبارة عن توجيهات من البنك العالمي .و إصلاح التعليم كان دائما من الشروط السرية و الضمنية للقروض التي تحصل عليها الدول .
ما أريد إثارته هنا هو مصطلح الإلزامية .
ما هو إلزامي علينا هو إجباري و مفروض و لا يمكننا الإعفاء منه.بل انه يمكن أن يطبق و لو بالإكراه .خلاصة الأمر لا مجال للتكلم عن الحرية حينما لا تتوفر لدينا خيارات كثيرة .
من العنوان يمكننا أن نشعر بحدة التربية و هذا الإصرار من مؤسسات الأمم المتحدة و المؤسسات الإقليمية و الأنظمة التعليمية على تربيتنا تربية éducation standardموحدة وفق نموذج عالمي موحد .و سن قوانين لإلزامية التعليم في الدساتير و أرفقته بالتشريعات و التوجيهات .
التربية الإلزامية تتطلب النتيجة .
و يجب لأن تكون النتيجة: كمية و مراءة و مقاسة .
هذه النتيجة تكون مصاحبة لثواب أو عقاب .و يجب على المتعلم أن يفعل دائما ما نريده نحن أن يفعله و ليس ما يريد أن يفعله و على المتعلمين جميعهم أن يفعلوا نفس الشيء .فأين حرية المتعلم ؟و أين تطويره و هو يفعل فقط ما نريده أن يفعله ؟و أين تحفيزه و إبداعه و نحن نرسم له حدودا لتفكيره ؟
منذ مدة اكتشف علم النفس التربوي أن العقاب و على اختلاف أشكاله من أسوأ الطرق لتعليم الإنسان فما بالك بعقاب الأطفال مخلوقات رخوة لا حول لها .و ينتج عنه أي العقاب مجموعة أو كوكتيل من السلوكيات السلبية الغير المرغوب فيها داخل المجتمعات .و لا يعمل على تحقيق نتائج اجابية بشكل عام .
التربية الإلزامية تتطلب و تلح على النتيجة مصاحبة لعقاب كيفما كان شكله و عدم الإلحاح على النتيجة هو تناقض لالزاميتها .
لكي نحظى بتطور للطفل لا بد من وجود حرية فعل و حركة .لأن الفعل لا غنى عنه في تطوير الطفل و بلا ثقة في النفس نعجز عن ممارسة الفعل .
الثقة في النفس و الاحترام الذاتي هما وقود التطور أما العقوبات المصاحبة للتعلم الإلزامي تؤذي عادة إلى انعدام الثقة في النفس ,و الإحباط بشكل مريع ,و انعدام احترام الذات و الشعور بالعجز و انعدام الفائدة .
لهذا حينما يحس التلميذ بهذا التناقض يكره المدرسة .
حينما نتأمل كتيبات الدلائل السياحية -عفوا هي ليست دلائل تربوية – ملخص ما يطالعنا أن التعلم هو المحرر للإنسان (تحرير الإنسان من ماذا ؟من إنسانيته من أسرته؟من هويته؟.)و هو المثري (من الإثراء)و الغد المشرق الذي سيسد عين الشمس خيرا وبابا نويل الذي يعطي الهدايا و يضع المستقبل في صلب درب النجاحات .و على العموم يهب حياة جديدة لحياتك .
لكن الحقيقة دائما ليس كما تراها .و يصعب علينا إدراكها و هي مرتبطة ارتباطا وثيقا ببنية التعليم:
التعليم و في جميع مراحله يجب أن يستند الى جودته في العرض و السماح و ترك الحرية و المناخ العفوي الطبيعي و في كل الأحوال لا يجب أن يستند على القوة أو التلقين تحت الطلب ,أو الإدانة .
التعليم هو أقصى درجات تحفيز الطفل .والتعليم الإلزامي ليس مخالف للتعليم فقط بل أنه في تعارض و تضاد للمبادئ الأولية و الأساسية للتربية التي تتمثل في "كل شخص له تطوره الخاص و ايقاع تطوره الخاص"
في كل كتب و نظريات سيكولوجيا التطور يركز على هذا المبدأ لكن غالب الأنظمة التعليمية تنفيه أو تتحايل عليه الله خلقنا على إيقاعات مختلفة ,و هم يريدون توحيد ايقاعاتنا في قالب واحد و كأنني بتلك الصورة الكاريكاتورية و في خم كبير لمزرعة الدجاج حيث كل الطيور تأكل بإيقاع واحد بل و تعيش بإيقاع واحد ...و سوف تنتهي صلاحيتها على نفس الإيقاع .
و حينما نضغط على الطفل لكي يتطور نكون مثل ذلك الفلاح الذي من شدة حبه لشتلته المزروعة حديثا , انكب عليها وأخد يعمد إلى تمطيطها لكي تكبر, و في أسرع وقت. ناسيا أن للشجرة نموا و إيقاع خاصين .الحقيقة ستنبث بعد مدة و النتيجة إما أن يتوقف نمو الشجرة أو نحن أمام شجرة مشوهة .ما لم يدركه صديقنا الفلاح أن الشجرة أعطاها الله كل مقومات و أسباب الحياة و أن دوره مرتبط فقط في مصاحبتها و توفير الشروط و ظروف الإنبات لها .
أن تطلب من الطفل قراءة الرياضيات من الثامنة إلى التاسعة و التعبير من 9 إلى 10 و استراحة 15 دقيقة بدون تعليم و لغات بعد ذلك ...كمن تطلب منه أن يأكل فاصوليا لمدة ساعة ثم كسكسا لمدة ساعة أخرى ثم يستريح 15 دقيقة بدون أكل ثم يستأنف أكل البيصارة لمدة ساعة ليتحول بعدها الى شرب الشاي ساعة أخرى ...و عليه أن ينتهي في أوقات محددة .
هل يعرف فيهم أحد هل أنا جوعان ؟أو جوعان أكثر ؟جوعان أقل ؟ لا أريد الأكل بتاتا؟عندي مغص في بطني ..؟لا أحد يهتم بما أن بطني لديهم وعاء وجب ملأه و هذا هو المطلوب لا أقل و لا أكثر .و لا احد سيكترث بما ستكون عليه معدتي ان أصابني اسهال أو امساك.
النظام التعليمي يكتب لنا وصفة مثل وصفة الطبيب التي لا تناقش و يحيلنا على الصيدلي الذي هو المعلم الذي يمدنا بحبوب التعلم وفق جدول زمني دقيق ووفق جرعات محددة.
منظر كاريكاتوري مثير للسخرية يفتح لنا نافذة على تدجين الإنسان .
يجب أن نترك للطفل حرية اللعب لكي يتفاعل عقله بصورة ايجابية مع الواقع و الذهاب إلى حقل الواقع للاستيعاب للمبادئ الأساسية في تشكيل المعرفة مثل الفضول و التقليد و التذوق و العاطفة و الشغف ...عناصر من الأكيد توجيه تجربة الطفل نحو التطور و بشكل ايجابي و عفوي.
على الهامش .
استعملت مرة كلمة التربية و مرة كلمة التعليم رغم ان بينهما اختلاف و لكن هنا في هذا الموضوع متداخلتان .
و لنا عودة الى الموضوع لاحقا للتناول من جوانب أخرى
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق