الثلاثاء، 26 يوليو 2016

التعليم كما عايشته (9)




أكيد ما نحتاجه الان ليس النظام التعليمي الذي يبشر به الصناعيون الأغبياء الذين لا يرون في العالم الا سلعة ذو قيمة مادية نحن في حاجة الى نظام تعليمي يكون ساحة تفعل(بضم التاء) فيه الاشياء و ليس خارطة تحفظ فيها الاشياء من خلاله أي هدا النظام نتعلم ما هو اجتماعي و عاطفي و تاريخي و جغرافي .. و من خلال هذه التعلمات نطلق العنان للطفل( أو حتى الكبير) ليفجر طاقاته الفردية الابداعية في المواد الفنية أولا ثم العلمية ثانيا و ليس العكس .كبار العباقرة و المخترعين أغلبهم فنانون و متدوقون للفن .

الفن في مختلف ابعاده له القدرة على تحريك تربية كاملة و متكاملة education intégrale تربية غير مجزأة في تكوين الطفل : الاتصال الخبرة التصرف بشكل عفوي التصرف بشكل علمي ,فني ,انساني كل هذه الأشياء تساهم في نموه العاطفي .
نحن نعطي الأولوية للعلوم ثم اللغات لان الوضيفة الاساسية للمدرسة هي خلق عمال مهرة متدربين حافظين لصيغ رياضية تمكنهم من انجاز العمل الصناعي في أسرع وقت و بأقل كلفة بالاظافة الى الوظائف الاخرى التي ترمي الى اخضاعه و جعله ليس مواطنا حرا بل مواطنا مستهلكا.
اننا نغتال الدوافع الشخصية و الحوافز الابداعية لدى المتعلم و نخضعه للتقسيم الشديد في السن في المستوى و نجعله كسلعة يمر في سلسلة الانتاج في مراحل التعليم المتعاقبة ففي كل مرحلة تمارس عليه بعض التعلمات المحددة حتى الوصول الى الشكل النهائي للمنتوج أي التلميذ و ذلك حسب معايير حددتها السوق و ليس الوسط الاجتماعي و لا المحيط الطبيعي او التاريخي ...
أصبحت المدرسة أو التعليم داخلها حقلا فسيحا للتنافس الشديد و التزاحم من أجل النجاح و اختيار النخب و المظفون و اقصاء الاخرون الذين لا يحصلون على النقطة العددية و غبنهم و تفييئهم طول ما تبقى من حياتهم. المدرسة هي الساحة الاولى للتفريق و التمييز بين البشر و بشكل نشط هي الساحة الاولى للاعداد للحروب من خلال زرع ثقافة التنافس و التميز في اللاشعور الانساني.
هل صحيح ما تدعيه أدبيات التعليم أنا نعلم الطفل من أجل حياة أفضل؟ ما معنى حياة أفضل؟ أكيد ما تعنيه هذه الأدبيات هي وظيفة عمل لا أقل و لا أكثر. لنكن واقعيين المدرسة لا تعلمنا من أجل الحياة بل تلبية لمتطلبات صناعية انتاجية .
الاقتصاد كان ولا يزال يتحكم في دواليب التعليم منذ نشأته في الحقبة البروسية خلال القرن الثامن عشر.(أتكلم عن شكل التعليم و المدرسة كما نعرفه الان.) و لولا المدرسة البروسية التي أسسها طائفة المتنورين المستبدين لما تمكنت ألمانيا من النهضة الصناعية.قليلون من يعرفون أن أحفاد هذه الطائفة اي المتنورون المستبدون لا زالوا يخططون للتعليم في جميع أنحاء العالم تقريبا !
و لولا المدرسة و استعمالها كوظيفة للتحكم و عزل و تغيير السلوك لما تمكنت ألمانيا من بناء جيش جرار استعملته في الحربين العالميتين لاحقا .
الاغريق كانوا يعرفون أخطر سر في التعلم الذي هو السعادة و هو شرط أساسي لبداية التعلم . ما لم يكن الطفل سعيدا و فرحا فلا حاجة للتعلم في تلك اللحظة. نتساءل الى أي حد توفر المدرسة بجدرانها و أسوارها السعادة لطفل بعد أن عزلته عن العالم و عن محيطه و عزلته في أمتار مربعة قليلة ثم وضعت أمامه سبورة و حارس يعلمه و يحرسه من الهرب. ما الفرق بين المدرسة و السجن ؟ مؤسستان للعزل و التفريق و تغيير السلوك بالضغط.
و حينما نختزل العالم كله في أمتار مربعة ولا نترك للطفل حرية التعبير و الحركة فاننا نخمد فيه دافعية التعلم هذه الفطرة التي خلقه عليها الله تعالى كما نوقف لديه الفضول و الاثارة الطبيعية لأن المدرسة تتكفل بكل الاجابات و لا تترك له الوقت للتساؤل و الاكتشاف.
لعل ما تحتاجه مدارسنا هو تعليم يقلب الهرم رأسا على عقب يعطي الاولوية لما هو فني و اجتماعي و فلسفي يحافظ على القيم و يحترم و يتناغم مع الوسط الذي يعيش فيه ثم في اسفل الهرم تكون هناك العلوم و الرياضيات لأن المعادلات الرياضيات توصلني الى القمر لكن لا تعلمني التعايش مع غيري أو مع وسطي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق