الاثنين، 8 أغسطس 2016

التعليم كما عايشته (20)

أتوقف في هذه الحلقة للكتابة عن التربية و التعليم و علاقتها بالفقر أو من ناحية مفهوم الفقر ,و الطرح الثاني أوضح .و حقيقة التربية وسط بحر البؤس الاجتماعي .
هناك دائما أشياء جديدة و و تحولات غالبا لا ننكب عليها عن قرب ,و نكون بعيدين عن الالمام بها في الوقت الذي نستعملها .
و جزء من ما يحدث في الاصلاحات التربوية لا علاقة له بالمساوات و تكافؤ الفرص .
مثلما يؤثر الفقر في قدرة الاباء على ارسال أطفالهم المدرسة ,فانه يؤثر على قدرة الطفل على التعلم .و حتى في المناطق الحضرية توجد أحزمة للفقر ,و داخل المدن الكبيرة نعثر على الاطفال الذين ذويهم أصحاب دخل محدود.
أعتقد أن المدرسة يجب أن تأخد بعين الاعتبار واقع الفقر من أجل تحقيق أنجع و أمثل لرسالتها التربوية في نقل المعرفة و تثقيف المواطنين .مجموعة من المجهودات و الوسائل الاضافية وجب على المدرسة القيام بها حتى لا تكون ذلك المكان الذي يقلل من فرص الأطفال لتحسين حالتهم .
كما أن المعلمين محتاجين لتدريب اضافي و خاص لتلبية الصعوبات الخاصة بهذا القطاع لتعليم القراءة و الكتابة .
كما أن الاطعام المدرسي جد مهم و لن أغالي حينما أقول أن التربية الغدائية تسبق التربية ككل .لا يمكننا أن نطلب من الطفل التفكير و التركيز و أمعاءه فارغة تغرد فيها العصافير .في العشر سنوات الاخيرة من مزاولتي للتدريس  30% هو معدل الاطفال الذين يأتون الى قسمي بدون افطار .و كثيرون يفطرون برقائق الذرة و الحلويات المسرطنة .
الكلمات   المنظمة لخطاب الاصلاح التربوي من خلال المجلس الاعلى للتربية  و التكوين و البحث العلمي هي( الانصاف –الجودة –و الارتقاء ) مجموع هذه الكلمات يكون لنا شعار المجلس الاعلى (من أجل مدرسة الانصاف و الجودة و الارتقاء )
من خلال تتبعي المتواضع للمشهد التربوي ,لاحظت غياب ندوات أو ملتقيات أو عناوين حول موضوع "التربية و الفقر" في المواعيد التربوية و التعليمية و جداول الأعمال كلنا نتحدث عن جودة التعليم و لكن في الحقيقة أن المعني بالأمر هو الفقر و الفقراء و لانهم فقراء فهم المصدرالاساسي للفشل الدراسي . لنكن واقعيين الاصلاحات موجهة للمدرسة العمومية و هي الحقل الذي ستطبق فيه .المدارس الخصوصية تحلق دائما خارج السرب لا تحتج الا اذا أصابها مكروه في مداخيلها .
المنظرون و المتناظرون و الشعارات و اللافتات و أوراق النقاش تتكلم كثيرا عن التربية و لكن في الحقيقة لا يقصدون كل التعليم المدرسي و لا التعليم الخصوصي ’انما التعليم العمومي  و بشكل أكثر دقة التربية و التعليم من أجل الفقراء .
و كما لو كانت المدارس العمومية هي الوحيدة المرادفة للمدرسة ؟
أو ان موضوع الجودة و تحسينها هو خيار حصري لأطفال المدارس العمومية أو بعبارة أوضح لقطاعات من الشعب أكثر فقرا؟
 الاصرار على التركيز على الفقر على نحو مقدس من قبل البنوك و الوكالات الدولية جعل هذه المؤسسات تتقاطع مع التربية بشكل كبير من التمويل الى المناهج .فنجحت هذه المؤسسات بشكل كبير في أختزال التعليم و اختزال مشاكله و حلوله .
و استطاعت توجيه الأنظار نحو خرائط الفقر .و أوهمت الكل أن المصدر الأساسي لكل مشاكل التعليم هو الفقر ,و كأن المدارس الخاصة لا مشاكل لديها .و لهذا يجب أن تنصب جميع الاهتمامات على المدارس العمومية لان الأطفال الفقراء هم مجموعة من المشاكل في النظام المدرسي .
و الأطفال هم مشاكل لانهم فقراء و ليس لأنهم أطفال .
سبق أن تناولت سابقا في هذه السلسلة ( التعليم كما عايشته )و أكدت أن نموذج المدرسة التي نعرفها و التي ورثناها عن النظام البروسي ,ليست صالحة و ملائمة للأطفال و لنموهم و تعلماتهم .و أن بنيتها الأساسية أو هيكلتها تكون نقيض التربية و التعلم .
و الجدير بالذكر أن هذا الاصلاح الموصى به  ليس ملائم فقط للأطفال الفقراء و انما أيضا  لكل الأطفال.أكيد أن الأطفال الاتيون من أوساط فقيرة سيكونون أكثر تأثيرا بهذا النظام من أقرانهم من الأوساط الموسرة .لكن الكل سيكون عرضة للتمييز ,و لن يتعلم الكثير من المدرسة .
نموذج الدراسة الحالي هو ممل و متعب و منهك .و يقشر الانسان مثلما تقشر نبتة الخرشوف .و سيظل يقشره  ورقة, ورقة الى أن يتركه في أخر المطاف عار من كل ما يستره من مناعاته و من انسانيته .كما أن هذا النموذج يلغي بشكل منهجي و نشط التحفيز و الامكانيات اللامحدودة و المتاحة للطفل .يحدث نفس الشيئ لأطفال الطبقة المتوسطة و الموسرة الذين يفضلون دفع المال لتربية أبنائهم في علب الوقود الجديدة و التي لا يكتب فوقها :باستعمالكم المنتوج الفرنسي تساهمون بقاء فرنسا و تغريب أبناءكم .
الفرق بين المدارس الخاصة و العامة قد يكون على حساب مصاريف الدراسة ,التجهيزات المدرسية ,المعدات المدرسية ...و لكن ثقافة المدرسة و نموذج التنظيم و العلاقات التربوية و طرق التدريس و البرامج الدراسية و التقويمية يجب أن تكون مشتركة بين المدرستين .
الفرق الأساسي غالبا يكمن في تفاوت الامكانيات و المفاهيم لدى الأباء للتوفير لابنه بيئة ملائمة و نشطة للتعلم :تغدية ,عاطفة ,استقرار عاطفي,و الراحة ....و تعويض ما لا يمكنه للنظام التعليمي أن يقدمه للطفل :البيئة التعليمية ,الوصول الى الكتب ,و الحاسوب,المساعدة و التوجيه المنزليين من طرف ولي ,العاطفة و الدفئ الاسروي ...
مع الأسف اللافهم أو الجهل و عدم احترام الطفل هو العنوان الأمثل  لثقافة البالغ في النظام التعليمي و في المجتمع و كذا منصات القرار التربوي .بالنسبة للمجتمع البالغ الطفل هو فرد متخلف ..هو طفل في الطريق الى التحول الى بالغ .
هناك طفل لايعرف ,لا يفكر ,ليس له رأي ,و لا جواب له .هذا الطفل لن يميز ما هو صالح و جيد له ,و نتوقع منه أن لا يعترض على أي شيئ في تربيته.و على المدرسة أن تقوم بتثبيت نموا للمعارف و التعلمات قبل الاوان لانتاج الطفل المثبث مسبقا .(يحيلني هذا التثبيث على أسطوانة ويندوز)
الاكتشافات الاخيرة حول الطفل في مجالي علم النفس التربوي و تربية الأطفال لم تجد لها صدى أو تطبيقات في المدرسة ,و لم تصل الى مدارس المعلمين ,كل ما يأتينا يصلنا متأخرا بعشرات السنين و من خلال اصدارات و تخطيطات سطحية .
في الحقيقة الفقر ليس أكبر عائق في النظام التعليمي و لكن عدم الملائمة و هذا السبب أكبر عائق للتعلم و التعليم .هذا النظام يستمد أسسه من الحرمان المسلط على الطفل و عدم فهمه كفرد.
و هناك الكثير من التربويين ,البيداغوجيين ,المجددين ,الطليعيين و على امتداد التاريخ التربوي ,انتقدوا و أدانوا و فضحوا مدرسة صممت من طرف الكبار و البالغين ,بعقلية الكبار و انطلاقا من مصالح و احتياجات الكبار/أو صناع القرار ,اداريون ’أساتذة ,اباء و اولياء تلاميذ .
هناك الكثير ممن نادى بالأخد بعين الاعتبار وجهة نظر الأطفال:أهمية اللعب ,الحركة ,الأنشطة الترفيهية ,معرفة الأطفال كنقطة انطلاق للتدريس ,و اكتشاف و احترام طرقهم في الوجود و التفكير و دوافعهم و ايقاعات تعلماتهم ...
هناك تركيز لا يعلن عنه و لكن لا تخطئه العين : ربط العلاقة بين التربية – الفقر و المردود المدرسي السيئ – جودة التعليم و الفقر
و رغم أهمية هذه العلاقات من حيث الرؤية الاستراتيجية ,لا أنها تساهم في تكريس النظرة الدونية الخاطئة في الفكرة المراد ترسيخها أن الجودة هي قضية المدارس العمومية و الأوساط الفقيرة ,و ليس تموذج للمدرسة ككل (العمومية و الخصوصية).
المدرسة المبشر بها لا تنصف الفقير و لا توفر له مبدأ تكافؤ الفرص لانها مبدئيا غير ملائمة للموسر فما أدراك بالفقير .و لانها تمتاز بشيئين مميزين :الطفولة و الفقر .
ما يحتاجه نظامنا التعليمي راهنا هي مدرسة صديقة للأطفال ,حساسة لاحتياجات الطفل و امكانيات طفولته
لعل أصعب شيئ في الحياة: أن تكون طفلا ...و ان تكون فقيرا .


 



  




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق