الجمعة، 20 يناير 2017

التعليم كما عايشته (27) تهمتك أنك طفل

                          تهمة الطفولة 
ليس من السهل أن تعيش في هذا العالم بسلام و أن تكون طفلا في نفس الوقت .فأنت من يسبب الصداع لميزانية الدولة ،و أنت من تتبرم منك وزارات المالية و الوظيفة العمومية و وزارة التعليم ،و أنت من تعقد باسمك الندوات و المحاضرات و أنت تتساقط عليه امطار التوصيات من كل جانب .و أنت من تبدل و تغير من أجله البرامج و المناهج .و انت من يزج بك في حظائر سميت مزاجا مدارس و مؤسسات تعليمية ،و أنت من تقام الدنيا و تقعد لتدريسك و تربيتك بينما في الحقيقة
يتم رميك في مغارة اسمها القسم تحد من عالمك اللامتناهي و تقزم الذكاء الفطري لك الذي منحك الله تعالى .أنت انسان صغير تفسد على الراشدين الهدوء و التراخي ...انها حفلة الحياة و لا يريدونك الا على الهامش و تاكل من بقايا الراشدين و لا يحبونك في هذه الحفلة الا أن تكون جامدا أو مغمض العينين ...
أول تهمة انت متهم بها:كونك طفلا. اي قاصرا و جاهلا و ليس لديك الامكانيات و القدرات للتصرف أو الدفاع عن نفسك في هذه الحياة .و عليه أنت محتاج الى الكبير و الراشد ليأخد بيدك و يدلك على مسالك الحياة .و من أدراك أن هذا الراشد يفهم الحياة ؟و من أدراك أنه لن يمد اليك يده الا اذا أدخلك في بيت الطاعة و الامتثال ؟ قليلون هم الراشدون الذين يستحقون أحسن وسام تعطيه الحياة فقط لمن هم جديرون بالتعليم و التربية .
ما أصعب أن تكون طفلا و ينتظر أبواك الفرصة الذهبية و المواتية  على أحر من الجمر :فرصة التخلص منك لاقرب تعليم أولي .سينزاح عن عاتقهم حمل ثقيل ’يظنون أن المؤسسة ستقوم بما يجب .انهم لا يثقون حتى في أنفسهم لتربيتك أنهم يتخلون عن مهمتهم و سلطتهم التربوية لصالح مؤسسة لا يهمها الا الربح .
ليس من السهل أن تكون طفلا و ان تكون عميلا لشركات الهاتف النقال في هذا العمر الصغير ،أو تكون موزع للسجائر بالتقسيط فترتاد الحانات و المقاهي و الشوارع الغير الامنة ،أو تكون مستهلكا مواظب لكل ما ينفثه التلفاز من سموم :عروض الحليب و مشتقاته  وعروض الحلويات وعروض الافلام المدبلجة ...
ليس من السهل أن تكون طفلا و البرامج المدرسية لا تعدك الا لتكون عاملا في السلسلة الطويلة للانتاج و تلقنك ما ينفع الشركات من رياضيات و علوم و لغات ضاربة عرض الحائط كل ما ينفعك للتفاعل باجابية مع حياتك واقعك و محيطك :التاريخ و الجغرافيا و الفلسفة و العلوم الاجتماعية و التربية الفنية ....
ليس من السهل أن تكون طفلا .و ان تقضي طفولتك في حياكة الزرابي أو الاعمال الفلاحية المرهقة أو بائع أكياس بلاستيك في الاسواق 
ليس من الصعب عليك أن تكون طفلا و ان تكون هدفا لكل معاول التخريب المسماة مجازا اصلاحات تربوية و سياسات صحية  .و أن تكون محاصرا منذ بداية النمو لخليط غريب من المؤسسات .فهناك من يصر على تلقيحك بمواد لم يحسم فيها العلم بعد ،و هناك من يتهافت للتقديم لك نظريات تربوية خارجة من رحم فلسفات شيطانية .
ليس من السهل عليك أن تكون طفلا و أن يأخدونك على محمل الاحترام لذاتك لرغباتك لميولك لمتطلبات نموك ...هم مند البداية يرمون بك الى مدرسة هي في الحقيقة ليست الا موقف كبير للبشر الصغار (على وزن موقف السيارات )حيت يجمعونهم و يحتفظون بهم وقت عمل أباءهم .و سيأخدونهم اخر النهار مثلما يأخدون سياراتهم المرابضة في المراب .
ليس من السهل عليك أن تندفع نحو الحياة و تستكشف ما يحيط بك و تتفاعل معه و هم يزجون بك نحو عالم أقل أمن ،أقل ذكاء ،و أكثر أعتماد ...عالم تسلب منه حريتك و تقبل فيه ان تكون عبدا تحت المراقبة .
ليس من السهل عليك أن تعبر هذه صحراء الجهل القاحل ورمال كثيرة تعيقك و تحجب عنك الضوء  : مصالح فئات مختلفة و  من السلطة ،الشركات المتعددة الجنسيات ،الجمعيات السرية ،الاديلوجيات ...
ليس من السهل عليك أن تكون طفلا في القرن الواحد و العشرين  و في عصر الانفلات المعلوماتي و المؤسساتي لا زلت تدرس في مدرسة من القرن الثامن عشر وضعت وفقا لاحتياجات التصنيع ..و ليس لاحتياجات تربوية أو تعليمية بالمعنى الموسع للحياة .

سيعلمون الفرد الامتثال الى الاوامر و الطاعة أي تغيير سلوكه من أجل سلوك الطاعة ليحولونك الى انسان آلي منهمك طول حياته في عمله حتى اذا هرمت غالبا ما يتخلصون منك في القبر ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق