كيفية تحسين التعليم ؟
إذا كان هناك من موضوع يشغل بال المغاربة و
يثير الإجماع هو مشكل تحسين التعليم . و وسط هذا الهاجس المحدد لمستقبلنا نتطلع
دائما لمعرفة إلى أي حد إن يمكننا تحقيق
تغييرات ستكون عميقة أمام هذه التغييرات البطيئة التي أحدثتها الاصلاحات
المتعاقبة بل و تكاد تكون في بعض الأحيان سلبية و عقيمة ؟
منطقتنا المغاربية تعرف معدلا من اكبر معدلات الفوارق بين الدول و
خاصة فوارق في التربية و التعليم .كما أن التعليم بقي محدود الجودة و سوف لن نندهش
حينما نقارن أنفسنا في الترتيبات الدولية ....
حالة فنلندا. التي
صنفت من طرف المنتدى الاقتصادي العالمي ومنظمة
التعاون والتنمية باعتبارها الدولة الأعلى
جودة في التعليم،يجب أن يستلهم هذا
النموذج الذي ينحو نحو جعل التعليم عملية إنسانية قبل كل شيء و يستجيب للرغبات
الحقيقية لدى الطفل . و بعبارة أدق و شمل تعليم
يخرج الأطفال من مغارات الفصول .
فلندا التي
تفتقر إلى الموارد و الخامات الإستراتيجية قررت أن تستثمر في الموارد البشرية . و
في اقل من 40 عاما استطاعت أن تكون رائدة صناعات في مجال التكنولوجيا صناعات بنيت
على أساس نظام تربوي و تعليمي ممتاز .هل
رفعت من دخل شعبها و حسنت من جودة حياته
فقط ؟ بل فعلت أكثر من هذا : صنعت
مواطنين شاعرين بوطنيتهم متناغمين مع وسطهم الطبيعي و الثقافي و التاريخي ..
ماذا أقول عن
فلندا ؟ لقد حطمت قيود نموذج المدرسة البروسية هذا الصنم الذي تعبده معظم الأنظمة
التعليمية في العالم .و حطمت الجدار الرابع و خرجت عن النص المسرحي لهذه المهزلة الإنسانية
المملة .
هذه فقط بعض
المفاتيح التي يمكن بواسطتها أن نلج إلى النظام التعليمي الفنلندي الذي يصعب على
واضعي السياسات التعليمية فهمه و استيعابه
لسبب بسيط هو انهم لم يدرسوا في الفصول (أي لم يعطوا دروسا و لا مروا من الأقسام
كمعلمين ) :
1- الأسبقية
للاستثمار في التعليم حيث تجاوز 7 في
المائة من ناتجها الخام .
2- تعليم
مجاني و عمومي يشمل الكل و ذلك منذ
السنوات الأولى، وفق جودة عالية و مرورا بجميع المراحل و الأسلاك الدراسات
الجامعية و العليا .و الحقيقة إن التربية في فلندا هي عامل مهم في التوازن
الاجتماعي حيث هو السبب المباشر في تقليل الفوارق و تذويبها لصالح مجتمع أكثر
عدالة .
3- المعلم هو
الشخصية المحورية في النظام التربوي .فهم أي الفنلنديون يسهرون على إعداده جيدا
ليكون أهلا و كفئا للتربية و التعليم .
4- إن السباق
نحو ممارسة التعليم هو سباق إلى أعلى
مكانة اجتماعية و مكانة أجرية . تعطى للمعلم كل الإمكانيات الذاتية داخل قسمه مما
يجعله ممارسا للتعليم في جو من المسؤولية و الحرية .تعرف امتحانات الولوج
الى سلك المعلمين إقبالا كبيرا في البلاد لكن فقط 5 في المائة منهم من يقبلون ...
6- ارتفاع
مستويات الأجور لدى المعلمين يجعلهم يؤذون وظيفتهم بمهنية و كرامة .4200 اورو هو ما يكسبه أستاذ في
الثانوية و هو أعلى بكثير من معدل الأجور المعتمدة في الاقتصاد الفنلندي .
7- هناك
نقابات لها إلمام بالتربية و التعليم يوحد هذه النقابات و يجمعها هاجس الاولوية
للطفل . و هي جد قوية ،في تفاوض مستمر مع
السلطات التعليمية ..المدهش أنه لم يكن هناك أي إضراب في الثلاثين سنة الأخيرة .
8- هناك معلم
واحد لكل 20 تلميذ .
9- مناخ من
الثقة الحقيقية يسود لدى المعلمين ..إلى حد أن دور المفتش هو موجه و تعليماته ليس
لها طابع الالزمية للمعلم .و هذه الثقة تترجم داخل الفصل :نحن
نتحدث هنا عن متعلم يطور اهتمامه بفعل التعلم و يتمتع بهذا التعلم في جو من الرضى و الحبور .لا يثقل كاهله بالأعباء
الدراسية خارج الفصل لكي يمكنه أن يحافظ على تطوره كطفل و مراهق .
و ربما ستكون
عملية إرهاقه بالواجبات المنزلية هي عملية غير مجدية ما دامت عملية التعلم لديه ستبقى مستمرة و حية
حتى خارج المدرسة :الأسرة التي تسند الطفل ،مكتبات للقرب تشرف عليها البلديات
...عادات و سلوكات الأسرة الفنلندية في الذهاب إلى المكتبة آخر الأسبوع للقراءة .ممارسة
الطفل للعب و الرياضة و الثقافة و العمل التطوعي و التنشئة الاجتماعية .
خاتمة :
لا أتكلم هنا عن تحويل النظام التعليمي المغربي إلى
نظام فلندي ..فذلك حلم بعيد المنال ..فقط يجب ان نستخلص العبر من هذا النظام و
نجعل أي إصلاح ينهل من هذا الدرس الفنلندي لأنه نموذج أعطى نتيجة .
يجب إعطاء
التعليم ما يستحقه من رعاية و اهتمام (معنوي /مادي) و جعل من المعلم بطل في عملية
التعليم و إعادة هذا الاستعداد الفطري للتعلم و الاستمتاع إلى الكائن البشري الصغيرالذي فقده من جراء
الاصلاحات القمامية .
على الهامش
:سبق لي أن تناولت التجربة الفنلندية في مقال سابق في هذه السلسلة في جزأين , هنا
فقط أتفاعل مع الإصلاح الأخير لتحسين جودة التعليم الذي توقف إلى حد الآن . ما
نتمناه أن نرى إصلاحا مغربيا يستلهم من التجربة الفنلندية ،أكيد أننا سنتجنب
أخطاءات بالجملة تتكرر مع كل إصلاح .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق