الثلاثاء، 18 يوليو 2017

التعليم كما عايشته (37) :إعادة النظر في الاصلاحات : الذهاب خارج من المدرسة ؟

إعادة النظر في الاصلاحات :
الذهاب خارج من المدرسة ؟

منذ مدة ليست بالقصيرة عدة إدارات و إرادات أعلنت  بصيغة أو بأخرى  عن نواياها    "إصلاح نظام التعليم." بل هناك من  تفاخرو أعلن انه آتي  للقيام  "ثورة التعليم".في هذا المجال
  التعليم  باعتباره المحور في التنمية يبقى عملية  مربحة في الترويج للخطاب السياسي و الحزبي ،
و أيضا ، التعليم  باعتباره محور الثقافة السائدة يبقى هو الضامن لاعادة انتاجها و تكرارها .



و ما تنفقه الأسر المغربية  على تعليم أبنائها زاد من 16% إلى 25% بين عامي 1999و 2013 حسب إحصاء المندوبية السامية للتخطيط
 تنامي إنفاق المغرب على التربية و التعليم من 2.5 مليار دولارفي عام 2000 إلى 6.2 مليار دولار في العام الماضي أي بزيادة 3.7 مليارات ...
كل هذا الانفاق المتزايد لم يؤذي الى جودة التعليم و لا ساعدنا على الارتقاء بالتربية و التعليم
 رغم ارتفاع وتيرة الإنفاق على التعليم بنسبة مهمة  من الناتج المحلي الإجمالي، فلقد فشل النظام التعليمي المغربي  فشلا ذريعا .
 لم يكن في مستوى التحديات المنتظرة منه : عدم القدرة على خلق رأس المال البشري اللازم للاقتصاد التنافسي الذي تبشر به الادبيات السياسية و الاقتصادية خاصة مع انفتاحنا على السوق الافريقية في الآونة الأخيرة .
و لم  يمكننا  من أن يكون وسيلة للتخفيف من حدة الاختلالات الهيكلية.
 السبب؟


 لمدة قرن تقريبا  الحكومة المغربية  كانت تركز فقط على تصحيح   النظام التربوي من خلال اقتراح الحلول فقط لتحسين المدرسة. ومن الواضح أن هذه الاقتراحات التي لا تحيط بالمشاكل فيي كليتها   لم يكتب لها النجاح من حيث المبدأ، والسبب بسيط، ولكن في الواقع معقد: النظام التعليمي يتجاوز كثيرا  المدرسة و أسوارها و فصولها التي تتحول الى مغارات هيجل حيت يعرض العالم من خلال صور و بطاقات معدة سلفا .
 لدينا هنا بعض الملاحظات لمناقشتها و يستوجب التوقف امامها


1
وهناك مشكلة خطيرة لا ينبغي أن توجد :

التربية  هي  مجموعة من القيم النبيلة والإنسانية، والعميقة من حيث المعنى الطموح. التربية هي تحضير (من الحضارة)و تحويل(من التحويل)  و تغيير(من التغيير) و تثوري (من الثورة)  الفرد و الجماعات  نحو الأرقى و الأكمل و الأجمل . فرد  يخلق و يبتكر، مواطن صالح، وملتزم بيئته العقائدية و الفكرية و الجغرافية للأسف و جماعات تتحد و تذوب في الهدف الجماعي للمجموعة الأم. لكن  في هذا العالم  النقدي (من النقود) و المادي  مثل عالم اليوم، هذا ليس كاف  بالنسبة للمسيطرين على السلط المالية و الاقتصادية  . و لو أنه  من ناحية المبدأ يفترض  أن يكون الذهاب الى المدرسة عقلانيا و مربحا ، في الممارسة العملية، فان السلطات  المهيمنة ودوائرها  تعمد دائما الى  قياس الحوافز المالية المستقبلية  للتربية  من  خلال ما يسميه الاقتصاديون "عوائد التعليم".  تريد أن تدير التعليم من خلال انتاجية صناعية قصوى : أكثر الارباح و بأقل الخسائر  و في أقل مدة زمنية ممكنة لان الوقت يعني لها المال و لو كان على حساب التربية .

وماذا سيضيف الفرد  لتعلمه  في حياته العملية و  البالغة (من البلوغ)  اذا كبد النظام في خسائر اضافية ، اذا   داوم الحضور لسنوات دراسية الإضافية ؟ سيكبد النظام خسائر اضافية  هكذا يفكر واضعوا البرامج . في التربية هناك اتجاه واحد : أن تعطيها كل شيء بدون حساب .
 2- البيئة الاسروية أو المحيط الاسروي  
ليس لدي أرقام ثابثة ودراسات مفصلة ، و لكن من خلال تجربتي هناك فجوة كبيرة في التحصيل و التعليم بين أطفال العالم القروي و نظرائهم من العالم الحضري و بين أطفال الطبقة المتوسطة وأطفال  أصحاب المهن البسيطة .و هذا يمكن إن يعني أنه حتى لو كانت جميع المدارس  متساوية  في التميز: في الجودة و الخدمات و الوسائل ، فان التفاوت ما بين مختلف المحيطات سيحدد لا محالة ليس الأداء المدرسي للطفل و لكن أيضا وجوده أو عدم وجوده لفترة طويلة في   تحصيله  الدراسي .
لا يحتاج الملاحظ الى منظار ليرى و يدرك الفجوة الكبيرة بين الطلاب الملتحقين بالجامعات و المعاهد العليا ذو المستوى السوسيواقتصادي المرتفع  و المستوى المنخفض أو الأدنى. و هذا ليس نتيجة للاكراهات الاقتصادية و القيود المفروضة على الميزانية  العائلية فحسب  بل بسبب التفاوت في  التحصيل  العلمي الذي كان نتيجة الفوارق ما بين البيئات  و المحيطات الغير المتكافئة .و هذا العجز سيصاحبه طول حياته الدراسية .
عدم المساواة عاملا مهما في التأثير في تنمية  قدرات و مهارات الطالب المعرفية و الغير معرفية و تحديد مستويات التعلم لديه.و هذا الفخ يمكن بدوره  إدامة اللامساواة إلى الأبد .
اذا اثرنا الموضوع من هذه الزاوية فاننا حينما نتحدث عن اصلاح التعليم و تحسينه  فمعظم طاقاتنا لا توجه إلا صوب  المدرسة . نحن لا نقوم إلا بنصف المهمة .أو نركز جهودنا على نصف الحل لا غير.ثم نخرج لنتباكى على النتائج الهزيلة و عدم نجاعة المعلمين .

و لهذا فان السياسات التربوية إذا كانت منسجمة مع  مبدأ  استخدام التربية و التعليم للحد من الفوارق  يجب عليها إن تعالج بالضرورة مشكل عدم المساواة في البيئات المختلفة  و قد حدد بعض المهتمون  اللاتينيون اربعة عوامل /مشاكل تساهم في تحديد الفوارق  :
1- المستوى التربوي و التعليمي
2-تفاني الاباء في تعليم أبنائهم
3-وجود القدوة الاجابية
4-كشف المواهب في الوقت المناسب
في واقعنا المغربي :
بالإضافة إلى المستوى التعليمي المنخفض للأبوان فإنهم لا يقضون ساعات كافية لمساعدة أطفالهم بل أن منهم من لا يساعد أطفاله البتة و لا يرافقهم في أنشطتهم ، فالموظف أو التاجر  حينما يرجع من العمل فأخر شيئ يفكر فيه هو مصاحبة طفله أو مساعدته  و التاجر  فالفلاح  مثلا  من الممكن أن يشمل حيواناته  بالرعاية ثلاث مرات في اليوم و لا يتأخرفي الاسراع الى البيطري لمعالجة دوابه  بينما لا يلتفت الى أطفاله الا قليلا  لانه يعتقد أن دوره هو تغدية والملبس ..و هذا ما يكفي الطفل ليتابع الدراسة و يرمي  بجميع الأعباء الأخرى على الأم التي ان لم تكن أمية فإنها الصعب أن تتخلى عن البرامج التافهة و تساعد ابنها بل   هناك من لا يعرف حتى المستوى الذي يدرس فيه ابنه و لا يتواصل مع أطفاله إلا إذا أعطى لهم أمرا أو منعا ... 
 كما نلاحظ أن  زيادة التفاوت في الأداء بين طلاب الدخل المرتفع و طلاب الدخل المنخفض و  بين الطلاب  ذوي الآباء الحاصلين على تعليم عالي و بين نظرائهم  ذوي التعليم الادنى أو الذين ليس لهم تعليم  يؤثر بشكل  أكثر و أعمق من نوعية المدرسة التي يرتادها الطالب .

يلاحظ أيضا زيادة التفاوتات بين بين طلاب ينتمون الى خلفية سياسية أو دينية أو قبلية ... هذه الخلفية تكون كمظلة حمائية و طلاب لا منتمين الى الخلفيات السابق ذكرها .حيث يكون المال و التدخلات حاسمان في ادامة هذا التفاوت ليس فيي التحصيل و الجراسة فقط بل حتى في الوظائف و  الحياة العملية  
و لا يجب التوقف عند نتائج بيسا ..  pisa و أخواتها 
 التي تدبح التعليم و تجعله مقاسا و كميا (يخضع للقياس و الكمية بوحدات اعتباطية  )  و التقيد بها  و الالتزام بتوصيات  المنظمات التي تقيس التعليم بين الشعوب لان قراءتها للتفاوتات غير شمولية فهي تركز على أداء المدرسة فقط .
للتلميذ او الطالب 24ساعة في اليوم  اذا طرحنا 8 ساعات  و التي من المفروض قضائها في النوم .
سيتبقى لنا 16 ساعة يقضيها التلميذ فاتحا عينيه و عقله أي مستيفظا . يجلس التلميذ داخل المدرسة ما يتراوح بين 5 و 6 ساعات يومية في المدرسة  و أكثر. اذا طرحنا 6 ساعات سيتبقى لنا 10 ساعات يقضيها الطالب خارج المدرسة.
10 ساعات يقضيها الطفل خارج المدرسة في تجاهل تام لما يفعل ،انها خسارة جسيمة للطفل و لوالديه و للمجتمع و للدولة .لو ان من يتكلمون عن مردودية التعليم و التسرب  و خسارة الدولة يلتفتون الى الخسارة الحقيقية :10 ساعات يكون فيها الطفل خارج التغطية الا من تغطية الهاتف الجوال ،و تحت رحمة  الأفلام المدمرة و الكليبات الخليعة و الماجنة و المخدرات و الفراغ و رفقة السوء...
هذا هو التسرب الحقيقي من الدراسة أو من النظام التربوي .
اذا استطعنا الحصول  على تربية و تعليم اضافية  من خارج المدرسة أو المؤسسة فان ذلك سيحسن من الأداء  الدراسي  للطفل  و المردود و سيعزز رغبته في مواصلة الدراسة .فالمحيطات الايجابية  التي لها اشعاع تعليمي يمكن ان تؤثر مستوى الطلاب .مثل الجمعيات الثقافية و الفنية و المكتبات و الندوات و الاوراش و الرياضة المنظمة ...
نعيش عصرا لا يجب أن تلتبس علينا فيه الأشياء و لا يجب علينا أن نكرر فيه نفس الأخطاء التي أعطت نفس النتائج الكارثية ، فتحسين المدارس أمر حتمي و لكن  لا يمكن القفز على إهمال للمناهج  و عدم وجود البنية التحتية  الملائمة و حتى لو لبينا هذه الشروط فقد لا تكون كافية .
الحقائق تاكد ان مخرجات التعليم ليس نتاج للمدارس و المعلمين و البرامج بل أيضا نتاج البيئات المتعددة الأبعاد التي يعيشون فيها .
و سوف نخسر البوصلة حينما نعتمد على حلول خاطئة و ناقصة تنطوي في ثناياها على نصف المشكلة .و نحن لم يعد لنا الوقت لذلك .


 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق