النقاش المنعدم و الذي لا يجد له مكانا أو
زمان عربيا بيننا هو مسألة التربية
الجنسية . العارفون بخبايا الامور يقدرون جيدا
ان اصلاحات التعليم الى التربية الجنسية
ليست بعيدة عنا ،بل هي في خطى حثيثة في
الطريق إلينا .و لربما أن اولى تباشيرها و افكارها الاستطلاعية قد وصلت
الينا و هي الان تجس و تقيس تقبلنا لها من رفضنا لها .
حينما نكتشف ما يحصل في اروبا و كيف يسيرون
في خطوات تارة مضللة و تارة صريحة نحو ترسيم التربية الجنسية في المقررات الدراسية
يجب أن نصاب بالذعر مما ينتظرنا ،فأنا لا
اعرف بلدا من المحيط الى الخليج يتحكم في سياسته التربوية و ادرك مدى تبعيتنا للنظامين الفرنكفوني و
الانجلوفوني .
و تجدر الاشارة ان التربية الجنسية و ربيبتها
نظرية النوع لاقت نفورا و اعتراضا من غالبية الشعوب الاربية الغارقة في الازمة
الاقتصادية ،فقط وسائل الاعلام تعمد الى التعتيم .بل ان هناك كثير من العلمانيين من رفضها لقدرتها التدميرية للنسيج الاسروي و الاجتماعي و الاقتصادي
اصرار كارثي و مصيري و مدمر هو اصرار النظام
العالمي الجديد على ان تثقيفنا جنسيا ، و
لما لم يكفيه التمييع في التلفزيون و السينما و وسائل تكنلوجيا المعلومات و صناعة
الفن الظلامي العدمي و الاشهارات المهيجة
للاوعي الفرد و المجموعات ... فانه انتقل الى مرحلة أكثر هجوما و شراسة :ادخال مكونات التربية الجنسية الى الفصول
المدرسية و بموازاة للحظة تاريخية يوجد
فيها تعليمنا في الحضيض و ذلك في سن جد
مبكرة :ست سنوات ..يا الاهي ما هذا ؟و اذا كانت الدول الاربية دول المحور قد صادقت عليه تقريبا بالاجماع ( سبق لي ان
اشرت الى هذا في موضوع سابق من هذه السلسلة التعليم كما عايشته) فاننا نحن دول
الهامش يصعب علينا رؤية افكار غريبة تتسلل
الى محتويات البرامج و المناهج (التربية الجنسية) تدريجيا و شيئا فشيئا حتى
للتخفيف من الصدمة في النفوس و مع عامل الوقت و الغارات الاعلامية و الحقوقية و
الجمعوية سيصل المواطن الى تقبل كل ما
يريدون منه ..و هناك جماعات طليعية و حقوقية و فنية و مالية ...يقومون في كل لحظة
بالغارات الاعلامية و الثقافية ذات الرموز الغامضة والاهداف المبهمة و يتعمدون الهروب بالنقاش الى حلبة الغرائز الحيوانية
التافهة و الحريات الفردية و الجسدية ،و
الاستفراد بالخطاب من المنصات المؤسساتية . ويتضح من مخططهم الشيطاني ، من خلال إرساء قواعد حياتية و سلوكيات
جديدة في المجتمع :تشجيع التعاطي للجنس و
الحياة الجنسية في سن مبكرة .و لكم إن
تتصوروا إلى أين ستصل المجتمعات من الفساد و الانحلال .
هناك أناس موغلون في عبادة القدم و متاهات
الظلام يتحدثون عن اعادة صفحات منزوعة و و ناقصة من كتب التاريخ و الدين ..لأنها كانت تحتوي على
مسائل جنسية و تم اجتثاثها عبر الحقب من
طرف سلطات دنيوية و دينية ..و جاءت اللحظة ليعيدوا على حسب زعمهم للإنسان إنسانيته من خلال تهييجه و تهييج غرائزه
بشكل نشط و أكثر فاعلية :تدريسه التربية الجنسية في سنوات مبكرة .
في اروبا لا يريدون تلك الإشارة الخجولة عن الجنس من خلال العلوم الطبيعية أو علوم الحياة ، و لا يريدون الاقتصار في تعلم الطالب على تشريح جسم الإنسان أو وصف الأعضاء الجنسية و الوقاية من الأمراض
التناسلية و عمليات النظافة لا
يكتفون بهذا .و هذا المستوى من التلقين لم يعد كافيا .وجب التوغل أكثر ما دام المناخ
العالمي من الحروب و التفقير والإرهاب يسمح بتمرير ذلك لان جميع الحكومات تخشى
اغاضتهم أو الخروج على طاعتهم .
يتحدثون عن وجوب تجاوز ذلك التصنيف الذي تضعه
الكتب الدراسية " المرأة تختلف عن
الرجل " و "الرجل يختلف عن المرأة" فهذا شيء مضحك فهذا تصنيف لا يختلف كثيرا عن تصنيف المرأة من طرف القذافي في كتابه الأخضر : المرأة تحيض و الرجل
لا يحيض .و يبرزون مظاهر التخلف في كون البرامج لا تزال تعتمد على تبيان الاختلاف من خلال مختلف أجزاء الجهاز الجنسي لدى المرأة التي
تطوره من التاسعة إلى الثانية عشر والرجل
من الثانية الى الرابعة عشر مع الإشارة
الصريحة أو المبطنة ان العلاقات الجنسية هي مظهر من مظاهر الحب و تدابير
نظافة و وقاية من الامراض و الحمل . يريدون الذهاب ابعد من هذا كله و أول خطوة ان لا تركز
المحتويات على الفرو قات بين الذكر و الأنثى , لان هذا يكرس في لا وعي الفرد ديمومة عدم المساواة بين المرأة و الرجل و سنكون في وضعية غير مريحة
لنقنع الرجل بمساواته مع المرأة في جميع الحقوق الأخرى لاحقا حينما يصير بالغا .
لهذا يجب تغيير سلوكه و نظرته بان لا يقتصر
التركيز على الاختلافات البيولوجية و الاجتماعية
بين الذكر و الأنثى .يجب خلق أنواع جديدة زيادة على الذكر و الأنثى مثلا :نصف ذكر و نصف أنثى وكائن ليس بذكر و كائن
ليس بأنثى ... و نحن لا نعرف إن كانوا سيأتوننا يوما بكائنات أخرى محولة و
مبرمجة و سيصنفونها نوعا إنسانيا
الله سبحانه خلق الذكر و الأنثى و الحياة نفسها مبنية على هذه الازدواجية و هم
يريدون خلق أنواع جديدة ممسوخة و
مشوهة ،تزاحم الإنسان في حياته و تلتهم حقوقه و عيشه . كل الأنواع الجديدة الهجينة
يجب تمتيعها بالحقوق نفسها التي يتمتع بها
الذكر و الأنثى ، و داخل أقلياتها وضعت كقطيع في الزريبة يخضع في كل مظاهر حياته لمشيئة
الراعي ، كما إنهم في خطى حثيثة لسلخ المرأة عن اهم وظيفة طبيعية
لها :الأمومة . كل البرامج و الخطط و سيناريوهات الأفلام و و الاشهارات و
التوجيهات الرسمية يجب إن تشير إلى المرأة
ليسمحوا بترويجها على الجمهور ..أخرجت المرأة من المنزل بمبرر الحرية و العمل
... خففوا من على عاتقها مسؤولية الطبخ و الأعمال المنزلية و خاصة
مسؤولية تربية الأطفال . وأخذوهم إلى
مؤسساتهم للعناية بهم .
الموضوعات
التي كانت تطرح غالبا في البرامج الدراسية عبر التراب الاوربي صارت تافهة و لا
تساير هذا الانفجار الجنسي في لاوعي الفرد . على سبيل المثال لا الحصر :
تغير الجسم خلال
فترة المراهقة ، الطريق إلى سن البلوغ ، التناسل البشري و ثقافة الوقاية ، تسليط الضوء
على التدابير والمبادئ التوجيهية لمنع وقوع الحوادث الجنسية ، سرطان الثدي، الأمراض
المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي والإدمان، وكذلك لتعزيز تعلم العيش دون عنف وأهمية
العلاقات الأسرية في مرحلة المراهقة. يتم تطوير هذه الدروس مع محتويات ثمينة مثل المشاعر
والاحترام والمسؤولية والإنصاف بين الرجال والنساء. أهمية تأجيل أول اتصال جنسي حتى سن البلوغ، حتى
يكون الشخص على استعداد جسديا وعاطفيا، ولديه
القدرة على مواجهة مسؤولية العواقب . الحمل و مراحله .
لكن المبرمجون
لهذه الموضوعات يدركون جيدا إنها ستعرف تقلصا لصالح مواضيع ذات منحنى مائل نحو
التربية الجنسية الصريحة وفق عواصف الحرية و الحقوق المدمرة للمقاومة الإنسانية لجعله ينغمس في الرذيلة كليا . هذا التقلص عانت منه الدراسات الدينية
فتقلصت حصصها و اختزلت كفاياتها حتى صار توجيهها للمواطن الأروبي صفر .
عام 2016 في
اروبا ، عرفت تحسينات الأنظمة البيداغوجية
و بعض المحتويات البرامج و سوف يعمدون إلى دس و إضافة
محتويات جديدة عن الجنس البشري .فنجد مواضيع أكثر تدرجا و أكثر جرأة مثل "
الصحة الجنسية و الإنجابية في فترة المراهقة " فالجنس في المراهقة يعترفون به
ضمنيا ، فهم فقط يحذرون منه بينما يتم
التركيز في تلقين المراهقين على وسائل الحماية منه أكثر مما يتم التركيز على
المشكلة التي هي الجنس ..غريب
جدا . و أهداف جد صريحة و لا التباس في صياغتها " نحو نشاط
جنسي مسؤول ،مقبول و آمن و محرر من الخوف
و الشعور بالذنب و المعتقدات الخاطئة و الإكراه
و التمييز و العنف .
و خلاصة ما يؤمنون به و يسعون إليه هو إقامة نظام عالمي جديد حيث المجتمع الحر في نظرهم هو مجتمع لجميع الأشخاص
يتوفروا على معلومات و تدريبات لمواجهة تحديات مرحلة من مراحل نموهم .و هذا ما ستفعله
التربية الجنسية على نحو جيد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق