الاثنين، 24 يوليو 2017

التعليم كما عايشته :(39) : كيف ندرس بلا معلم ؟

 كيف ندرس بلا معلم ؟


وسط التخبط الشديد ،أصدرت السلطات التعليمية عدة مبادئ توجيهية لإصلاح التعليم .و في كل مرة تصدر هذه التوجيهات في شكل مذكرات استعجالية تستدعي تجميع المعلمين و تعبئتهم لتطبيق ما هو مرتجل و غير واضح .و النتيجة المعادة  دائما  :الفشل .
الإصلاحات التي ترمي إلى تحسين جودة التعليم ،لا تلتفت إلى المعلم بتاتا ،و أقل بكثير تلتفت إلى الطفل ،ما تركز عليه هو تحسين و تلميع للمدرسة .
Résultat de recherche d'images pour "escuela sin maestro"




النظام التكويني للمعلمين يعرف حالة  وضعية من الهشاشة  و الفشل المتكرر من المحاولات الإصلاحية المتكررة  للإصلاح .
معظم المُكَوِنين و ليس كلهم يتوفرون على تكوين فقير ،بالإضافة إلى ثقافتهم التربوية المحدودة ،فأنهم لا يخرجون عن الإطار المرسوم في التعليمات و كأن التربية مُنتج مُصنَع يخضع لمواصفات و معايير  موحدة . انهم مكونين بشكل سيء و (و لا اعرف لماذا يخضعون دائما لتكوين مستعجل ) و في بعض الحالات ضيق الوقت الذي يخضع كليا لما هو سياسي و ليس لما هو تربوي : حكومة جديدة ،وزير جديد ،توصيات دولية ...) الوقت المحدود  لا يسمح لهم بالإدراك الجيد  و التمكن من المعلومات الجديدة التي هم مطالبون بتدريب المعلمين عليها . يعملون وفق ساعات عمل مجزأة على المحاور . و مع معلمين معايير تعيينهم و ترقيتهم هي تقديرية فقط . عمليات التدريب فقيرة  و لا يصعب عليك ملاحظة عدم الاهتمام من أغلبية المعلمين المفترض تكوينهم .كما أن محتوى البرامج غالبا ما يكون تصميمها صعب التطبيق على أرض الواقع ...مثل هاته الأشياء و غيرها هي من يورثنا العجز و  الكسل الذهني و اللامبالات .
حينما نتكلم عن جودة التعليم لا يجب أن نلغي ما هو  أساسي :جودة المعلم أيضا . و مرة أخرى تعمى البصائر و الأبصار عن اهمية جودة المعلم في العملية التربوية برمتها .
هذه العواقب و النتائج المرتبطة بجودة المعلم مثيرة للقلق . فجودة المعلم ليس لها مقوما الا الامتحانات المهنية المغشوشة  التي تنظمها السلطات التعليمية في البلد .و التي ترى أن  القدرة على اجتياز الامتحان هو ما يأكد كفاءة المعلم و جودته  و ترقيته. كلنا نعرف ان هناك الكثيرون من الممتحنين من يفتقرون الى المهارة و الكفايات  الأساسية و مع ذلك يجتازون الامتحان و ينجحون .شخصيا لا أظن ان نتائج امتحاناتهم تختلف كثيرا عن نتائج تلاميذهم (تعجب). و من الممكن أن يكون هذا هو السبب الذي يدفع الوزارة إلى منعنا من الاطلاع على أوراق الامتحان ..فهي لا تخاف من تقويمنا لانفسنا بقدر ما تخاف من قياس تقويماتنا بالآخرين .
الخلاصة :مثل هذا التقويم لن يعمل على تحسين نوعية التعليم .
اصلاحات متسرعة و منحازة الى نظريات سلطوية (كالتي تنزل فوق رؤوسنا الآن). هذه الإصلاحات تضع في أولوياتها السيطرة الخارجية على المعلمين و جعلهم مرتبطين باكراهات الامتحان اكثر من ارتباطهم باكراهات التدريس و هذا يدفعه للتحرر من تكوينه و ظروف عمله ،لأنها لا ترقيه الى مرتبة أعلى .الامتحانات ذات المعيار الموحد  هي الكفيلة  بذلك .
و بعيدا عن هذا النظام السلطوي ،ترتكب  أخطاء مبدئية أو أولية تتمثل في الخلط بين السيطرة على المعلمين و جودة التعليم و محاولة مقاربة و إصلاح هذين المشكلين أي السيطرة و الجودة بنفس الوسائل.
Résultat de recherche d'images pour "educacion"

و اذا كانت النوايا صالحة فيجب أن تحاول فعل الشيئ المختلف الذي لم تفعله من قبل :تحسين جودة المعلمين .و هذا يمكن ان يتأتى من خلال
-- حسن الاختيار للأشخاص الذين يريدون إن يصبحوا  معلمين .
-- تكوين أولي جيد و ذو معايير تربوية  للجودة .
--نظم جيدة لمرافقة المعلم و دعمه في إطار تكوين مستمر .
-- نظم لتقويم المهارات الفعلية و الحقيقية للمعلم
و لا يجب أن نختار الطريق السهل و القصير لان التعليم ليس هو العمل في معامل فورد  سنة 1921
هذا الاصلاح يتم بدون معلمين .انهم ليسوا فقط غائبين عن المشاركة في إصلاح أخطاء الماضي و اتخاذ القرارات البديلة بل إن الإصلاحات لا تلتفت اليهم و لا تتضمن قرارات لصالحهم أو من أجلهم باعتبارهم المحرك للتعليم و بدونه لن بتحرك اي شيء .
الاصلاحات المتعاقبة و  المستعجلة و طريقة تنزيلها  الاندفاعية كمنتوج نهائي مصنع ،شحذت لنا مشكل تاريخي في التعليم : انعدام الثقة بين المعلمين و السلطات التعليمية ، و فقد هذه السلطات كل مصداقيتها أمام المعلم . الشعور السائد هو الخوف من الشطط الوزاري في استعمال سلطتها و الغضب و الحنق على مسؤولين فاشلين   ، الشعور بكونهم ضحايا لم ينصفوا ، الشعور بخيانتهم بأنصاف الحقائق ...حتى أصبح المعلمين يثقون في الطاقم الاداري لوزارة التربية الوطنية و سكرتاريته اكثر من ثقتهم في زعماء و قواد و فاعلين ...  
Résultat de recherche d'images pour "educacion"

عقود من التأجيل و اللامبالات تشرح هذا الموقف من الوزارة .و هذا ما يبرر كيف تسعى جهات أخرى لتنظيم  مناخ انعدام الثقة هذا و تعزيزه  ليصبح معارضة نشطة .
اشك ان الرأية واضحة للقائمين على امور التعليم أو المسؤولين  ،فمنطق العصا و الجزرة ،سيكون منطقا غير كاف  لتحسين جودة التعليم . كما ان منطق التسويف والمماطلة باستعمال تمثيليات ملوثة للقضاء على الحلول التفاوضية للمعلمين منطق لتحبيط و تيئيس المعلم .
الحل يكمن فقط التوفر و القدرة على  استعمال رؤية محلية و خاصة و متحررة للمشكلات التربوية  و البدائل الممكنة .
ليس هناك حل  آخر غير المشاركة الموسعة من الفاعليين الحقيقيين في المجال .يجب الانكباب على تحسين جودة تقويم المعلمين و اعطاء ضمانات عن كيفية تأهيل هذه الاختبارات .و يجب أن تتوفر على عناصر  أدوات نوعية توَصِف و تميز  مهارات و كفايات المعلم المراد تقويمها  . المشكلة هنا كيف نتمكن من تقويم  قضية جد معقدة بطريقة صحيحة و موثوق فيها فيي سياق تطبيق عام و شامل .
في جانب آخر ثاني مطلوب تطوير اقتراحات هامة و مفصلة  لتكوين  المعلمين . بالاضافة الى القصور الذي يعاني منه التكوين او التدريب  الأولي للمعلم هناك خطر من أن تتحول السيرة الذاتية للمعلم الى مجموعة من الحيل يجب القيام بها  و الافكار الجاهزة و المحفوظة من اجل المرور في الاختبارات . و المشكل ان المبادئ التوجيهية في هذا الاساس تعوزها الدقة في الاهداف و الاساليب .و في نفس الوقت من المهم جدا تطوير اقتراحات للتكوين المستمر و وثيقة الصلة و دات جودة .
 التحدي الاساسي هو  تلبية الاحتياجات  التكوينية لهذا العدد الكبير من المعلمين لنظام تعليمي دأب على انتاج الجودة داخل ظروف  المختبر فقط ..
في جانب ثالث ،و اخيرا ،من المهم أن نأكد بقوة على الظروف القاهرة و  المستحيلة في بعض الحالات التي يمارس فيها التدريس :شيء مفجع .خاصة المدارس التي تجمع داخلها اطفال في وضعية فقيرة وهشة اجتماعيا .أوجه القصور في البنية التحتية التي كشفت عنها الاحصاءات المتعاقبة لم يأثر على امكانيات التعليم (المعلم) و التعلم (المتعلم) فقط بل شكل خرقا يوميا للحق  في التعليم الجيد  و تنقيصا من الحق . التركيز  على هذه الجوانب سيجعلنا نقترب من المعلم و اثراء النقاش العام حول التربية  المنهارة حاليا .
لست متفائلا من الاصلاحات الحالية ،و ان كان هناك من نجاحات اعتقد انها ستكون نسبية و هزيلة جدا .كل شيء يعتمد على نجاحها في  التواصل مع المعلمين و الانصات لهم  . للإصلاحات رجالاته الذين لا غنى للوزارة عنهم  و هم المعلمين .
هناك اهداف جد متواضعة في اطار عام تغيب عنه الرؤية الواضحة و الشفافية في تخصيص "فصول" لمن يريدون ان يصبحوا معلمين  و "سلالم" لمن أرادوا الصعود ليطلوا  من الأعلى على التلاميذ كما ان هناك فلترة و ترشيح لمرشحين ذوي مهارات دنيا للاهتمام بالتعليم ...
 و نحن نلعب في الوقت بدل الضائع  ، هل تبقى لنا الوقت لنجرب ؟ او لننكب على تجارب من الخردوات اتبثت فشلها في دول سبقتنا في تطبيقها ؟؟؟
اننا نكرر الماضي بسلبياته و نعيد انتاج الازمة بشكل عنيف في هذه المرة .الظروف في هذه المرة تختلف عن سابقاتها .المناخ العالمي الغير آمن يجعل منا فريسة لاعداء كثر يتربصون بنا .
شيئ لا غنى عنه : اذا اردنا وضع النظام داخل منظومة التعليم وجب علينا القطع نهائيا مع توريث السياسي  للمناصب و مع  المحسوبية .و هذا لا يتحقق الا من خلال الوفاء للقانون و العدالة و التربية  .


و حينما نقوم باصلاح بدون معلم فهذا يعني اننا نحسِن مدرسة بدون معلم و نريد ان ندرِس بدون معلم ...؟
Image associée

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق