الإصلاحات
التربوية الاخيرة : «المزيد من الشيء نفسه»
هناك موارد، هناك معرفة و هناك مؤسسات.
هل هناك أي شخص أو جهة قادرة على التتبع و التقويم لهذه السياسة المرتجلة الآتية
فوق القطار الإصلاح ؟ التفكير في السياسة ما بعد هذه السنوات ؟ هل هناك سياسة حقيقية
تضع تصورا تربويا آمنا تصل بنا سالمين الى سنة 2030؟
عندما يمارس الصيد المفرط والاستغلال
الجد مفرط على الموارد الطبيعية بدون أي أمل في التعويض الطبيعي أو إعادة إحياء و إنتاج
ما استهلك.فانه من الأكيد أن نطل على الخراب:ويلوح انهيار سريع في الأفق.و قد مورس
هذا الصيد المفرط في مجال التربية و التعليم حتى اختفت أحياء كانت إلى عهد قريب
تشكل المحيط التربوي :الذكاء ،المهارات المربون و
المعلمون الملتزمون ،الإبداع
،الجمعيات الثقافية ،الأنشطة التربوية و الأنشطة المدرسية الموازية ،القيم ،الإحساس
بالوطنية و جدير بالذكر أن اختفاء هذه الأحياء التربوية و جعل التعليم صحراء قاحلة
مطلة على مجتمع قاحل اقتصر فقط على العامة دون النخبة على المدرسة العمومية دون
المدرسة الخصوصية بشكل أبسط على الفقراء
دون الأغنياء . النخبة بنت مدارسها و
سيجتها بشكل يصعب على العامة معرفة ما يدور داخل أسوار مدارسهم فما بالك بالولوج إليها .
هل لنا خيار التصرف خيار التصرف بسرعة ؟. للأسف ليس في متناولنا كمربين
و معلمين ، السيطرة على العمليات التربوية
و التعليمية و ليست لنا السيادة التربوية التي يمنحنا إياها وضعنا الاعتباري و
القانوني كمربين لان دورنا يختزل كمنفذين
للتعليمات و الإرشادات الفوقية التي تتعامل مع الأطفال بمعيار موحد و تلغي أي فروق
موجودة بينهم .تطبق قوانين السوق :الزمن و الفائدة و كلفة الإنتاج و تمطيط هامش
الربح على حساب جميع العناصر الأخرى ،و سلاسل الإنتاج و تحويل العامل إلى ربوت
ينفد فقط ....كل هذه القوانين و غيرها تجد تطبيقات لها , الآن في المدرسة . و أول شيء
مهم في قانون السوق هو أنه ليست هناك قوانين، هناك فقط عاملان يحددان العوامل الأخرى
:العرض و الطلب . ومن السخيف إن يخضع التعليم لقانون العرض و الطلب. التعليم يخضع
لقانون واحد هو قانون الطفل و حاجياته و رغباته .أما تجريد التعليم من القيم التربوية لوضع مكانها قيم سوقية مكانها فهي
مغامرة جسيمة أمام المجهول و تبديد لموارد قيمة يزخر بها الوسط الاجتماعي للطفل : العقيدة ،القيم
التقاليد و الموروث الجمعي ،الذكاء الفطري ،الفضول المعرفي ... و هذا، مستقبلا هو ما سيجعلنا نفقد التحكم في كل
ما يحيط بنا.
فمن الغريب أن ننزع عن الطفل الزمان
التربوي الذي لا يعترف بانتهاء مدة أو أجل، و نستبدله بزمان السوق الرافع لشعار"
الوقت من ذهب" و "العيش بأقل تكلفة" و من الغريب أن نخضع تربية الأطفال لمخططات لا تبتعد كثيرا عن مخططات تربية الدجاج في 45 يوم و زراعة الأرز في 90
يوما و تعلم الانجليزية في سبعة أيام .
هل نتصور ماذا يعاني الدجاج حينما اخضع
للتصنيع و ما هي التغيرات و الشكل الذي أصبح عليه في الآونة الأخيرة ؟ هل بقينا نلتهم في أطباقنا دجاجا حقيقيا ؟ اشك
في ذلك .
منطق التسفيه هو المنطق المروج له في
التعليم ،النخب العالمية المتحكمة في الكون و التي تتحكم في التربية و التعليم من
مشارق الأرض الى مغاربها قامت بمجهودات جبارة لإخضاع كل شيء إلى المنطق الرياضي :قياس و حساب التربية و التعليم ..و
هذا ما يحيلنا إلى قياس الفهم و الاستيعاب و قياس متوسط الذكاء و النجاح لن يكون وفق مهارات بل سيكون وفق خريطة مدرسية لا تهتم إلا بالإعداد و إحصاءات و أرقام التكاليف لكل شيء في العملية التربوية حتى أصبح المعلم و
التلميذ مجرد أعداد و ليس مخلوقات لها أحاسيس و شعور .
حينما أرادوا وضع قياسات عددية للأهداف
و الكفايات هناك من كان يسخر من هؤلاء المدعومين من مؤسسات عالمية تريد قياس الإنسان
. لكن أصحاب القياس كانوا يقولون إذا
توصلنا لقياس أصعب القياسات التي هي الحرارة ،لماذا لا نقيس الأهداف و الكفايات
؟؟؟
في
وسطنا نراكم الخيبات ولم يعد صعبا علينا التنبؤ
بمستقبل الأطفال : الذهاب بسرعة نحو المجهول و هذا هو ما نحسن فعله في الوقت
الحاضر .
كوننا نعيش في مجتمع متحول نحو الاعتماد
على السوق كمرجعية و كنمط و كأسلوب أي كقانون .لا يعني أن قوانين السوق ستعد لنا
جيل المستقبل الذي نود تكوينه ليحمل المشعل و يشارك بشكل نشط في إدامة هذا النظام
و هذا المجتمع و هذا الأسلوب المغربي
الفريد في الحياة ؟
الإصلاحات الأخيرة و المتواترة تفتح في
كل مرة نافذة جديدة على السوق ، و تختزل البرامج و المناهج و الذكاء لصالح تعلمات
تعتمد على المنطق الرياضي و الرقمي المفرط و التعبير و التكوين و التثقيف باللغات الأجنبية على حساب اللغة الأم . و المروجين
لها يحاولون أن يوهموننا بجدواها و
واقعيتها لاندماج سلس في سوق الشغل.
الإصلاحات المتواترة كان مصيرها الفشل لأنها كانت إصلاحات تروم تلميع و إخفاء عيوب
المدرسة و لا يستفيد منها عنصران مهمان في العملية التعليمية : التلميذ و المعلم .
و حتى الإصلاحات الأخيرة هي ليست إصلاحات
للجودة كما يدعي البعض بل تدابير فقط لتحسين الشكل الخارجي للمدرسة و مزيد من
السيطرة على العاملين في حقل التربية و خاصة المعلم . و خلاصة القول فإصلاحات
"الماكياج" هذه هي «المزيد من الشيء نفسه» أي مسببات الفشل و
القلق لسكان المدارس .
هناك
"موارد إنسانية صغيرة " و سنعمل على تكوينها و تدريبها
لتصير "موارد بشرية و رقمية "
لدى الشركات و المتحكمين في السلط الإعلامية و السياسية و الاقتصادية ...و في
المقابل ليس هناك برامج و مناهج مقررة تسمح بتربية الطفل و تعده للحياة و التفاعل
مع المجموعات و مع الوسط الذي يعيش فيه
فقط هناك معادلات رياضية و علمية و قياس و لغات أجنبية لإعداد الطفل إلى
السوق ، أما إعداد الطفل إلى التعايش و الاحترام و الهدف الجماعي فمن يهتم ؟
فليس بغريب في مجتمعنا ان نلمس ألاف من
الأشخاص الذين لهم تكوين أكاديمي علمي
مرتفع يحفظون معادلات رياضية معقدة و
لكنهم يفشلون في التعايش مع الوسط الذين يعيشون فيه و الاهتمام بمشاكل هذا الوسط
و التعايش مع الإفراد الذين يحيطون بهم ...لماذا ؟ لأنهم لم يتلقوا تربية
في مسارهم الدراسي كل ما تلقوه كان تعليما فقط ، هل اختلف هذا التعليم عن التدريب
العسكري الذي يعتمد على الطاعة و تغيير
السلوك ؟ و ليس من الغريب ان جامعة نبراسكا و هي بالمناسبة من أكبر الحاضنات للفكر
الإسلامي المتطرف و المنظرة له ترى أن طلاب كليات العلوم يسهل احتوائهم و جذبهم
نحو الاديلوجية الدينية .و من الطبيعي جدا
إن لا يسعفهم تعليمهم و ثقافتهم المبنية على منطق المعادلات أن يكونوا علاقات إنسانية
واسعة مع العناصر الأخرى في مجتمعاتهم .
أعود لأذكر بما قلته سابقا في مقالات
سابقة الإصلاحات ليست املاءات خارجية و لا رصد لمنظمات دولية تطل على حقل التعليم
المغربي من أقمار اصطناعية بعيدة لتشخص لنا صور فطوتشوبية ( فوطوتشوب إن صح التعبير) عن موت معلن عنه ، و ليست هي وضع أمور التعليم من
تخطيط و تنفيذ و تتبع تحت رحمة الإداريين المتدنية
كفاءتهم و الأقل أمانة ،و ليست .....
الاصلاحات و جب أن تكون عمل تربوي جامع
لا عمل تقني محض و مختصر وفق يطلبه برنامج
"المستمعون الاقتصاديين " . انهم
ليسوا جمهورا وحدهم بل هناك فئات كثيرة و موسعة و ليسوا هم الوحيدين في المجتمع حتى نطوعوا
التعليم حسب حاجياتهم بل هناك مجتمع عريض و أغلبية ساحقة وجب تطويع التعليم من
اجلها .
و من المثير للانتباه ،رغم أن التدريس
أصبح اليوم أسهل مما كان عليه منذ سنوات و ذلك لتوفر موارد رقمية يمكن أن تكون
حاسمة في عمليات التعلم ، و لكن أنه مع الأسف
لا يتم الاستفادة من مزايا القرن الواحد و العشرين .
هذه الطفرة العلمية في متناول الجميع ،
تحتكرها الادارة و تستعملها عوض أن يستعملها المعلم : تكنولوجيا التحليل و الإحصاءات و الحوسبة ...
أجرؤ على الشك في الإصلاح ، و أعتقد أن لا شيء من هذا سيحدث: الجهل لا يزال أفضل حليف
للفساد ... والمشكلة هي أنه إذا لم نصحح هذا الاعوجاج، لن نكون قادرين على بناء الاستدامة لوجودنا و
حياتنا و قيمنا و هويتنا ...،
الخطوة الأولى هي القضاء على الأمية
التربوية في دواليب السلط و الإدارات التعليمية . يجب أن يتوفر في القائمين على الادارة مستوى معين من الوعي التربوي ، لتكون لهم القدرة على المساهمة في تنزيل الإصلاحات
و تحويل السياسات إلى تعلمات .
تصحير المدرسة المغربية تستفيد منه
مجموعات من السلط الاقتصادية و السياسية و الإعلامية فقط و ليس كل العامة . و هذه
الاستفادة و الربح السريع لن يكون إلا على المدى القصير و مشكوك فيها على المدى المتوسط ، أما على المدى الطويل ستكون خسارة سريعة إذا فشل النظام
التعليمي في إعادة إنتاج مواطنين يأخذون دورهم في الحياة العامة .
بدلا من إهدار الدعم في السوق
الانتخابي و النقابي و السياسي و الإعلامي و السينمائي و الفني ....أليس من الأولى
ان يوجه هذا الدعم للأطفال ؟لان أي اهدار للموارد المالية لدعم الانسان البالغ على
حساب الانسان الصغير هو تبديد للجهد و المال و الوقت .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق