التعليم كما عايشته (47): ما وراء الأصلاحات
التربوية الأخيرة
ما وراء الإصلاحات التربوية الأخيرة
في السنين الأخيرة طفت على الساحة دعوات لإصلاح التعليم
و كان من نتائج هذه الدعوات الإصلاحية ظهور
الميثاق الوطني للتربية والتكوين و البحث العلمي 2000-2013 و ثم ميثاق للإصلاح
" من أجل مدرسة الإنصاف و الجودة و الارتقاء" الرؤية
الإستراتيجية 2015- 2030.
و نحن نعرف أن الفشل كان
أبرز حليف لهذه الدعوات لأسباب تتعلق ببنية النظام التعليمي ببلادنا ، أسباب تم ذكرها في مقالات سابقة ، فإننا يجب أن نلتفت إلى
ما يخلفه هذا الفشل وراءه و ما يؤسس له من تغييرات تمس جوهر التعليم و العملية التعليمية .الإصلاحات غالبا ما تكون عميقة و علينا
أن لا نقنع بأسباب فشلها بل أن نتناول كل ما أحدثته من شروخ جانبية و من خلخلة لما
كان ثابتا .فالإصلاحات دائما يقف دائما خلفها الشيء اللامرئي و الجزء المخفي من جبل
الثلج و علينا نحن أن نبذل الجهد المناسب و
الشجاعة لرؤية ذلك .
و سوف أنطلق من التصريح الوزاري للوزير الأول عبد الإله بن كيران
، لعل من أبرزما فيه عنوان يهمنا
هو : إعادة الثقة في المدرسة العمومي
و من بين ما يلفت في التصريح الحكومي :
كما ستعمل الحكومة على إعادة الثقة
في المدرسة العمومية وإطلاق مدرسة التميز بتفعيل اللامركزية وترسيخ التعاقد في المؤسسات
التعليمية من خلال مشاريع قابلة للتقويم وربط توفير الإمكانات بمستوى الإنجاز وتوسيع
هامش حرية التدبير التربوي والمالي للمؤسسات التعليمية وربط المسؤولية بالمحاسبة .
انتهى الكلام . العبارة التي
عودنا عليها وزيرنا الموقر.
و أمام التهافت على المناصب
السياسية و انصراف الجمهور عن الشأن التعليمي ، هذا التصريح الحكومي لم يلق في
الساحة معارضة جدية و نشطة تذكر، معارضة تقف في وجه السياسيين و تلزمهم
بإعادة النظر في الإصلاحات، لان التعليم رغم
أهميته فهو قطاع غير مربح على الأمد القصير ونخب
التحالف الوزاري و السياسي لا يهمهما
إلا الربح السريع و المباشر .كما أن هذه النخب ليست مضطرة لاستجداء تعاطف من رجالات التعليم فهي تعرف أن نقاباتها تتكلف بذلك . حيث بدون عناء يذكر تم وضع قانون
جديد للتعليم العام ، قانون يبحث عن صيغة لتقييم التعليم و المعلمين و قانون
للخدمات المهنية بوصفه تتويجا للتوصيات الصادرة
عن مجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي .
مثل جميع الإصلاحات التي اقترحتها
الحكومة المتعاقبة ، دائما كان يقبع خلف الإصلاح مصالح القوى الاقتصادية للسلط التي
ساهمت و ساعدت على تثبيتها على رأس السلطة
التنفيذية و سياسات خارجية تسعى للهيمنة .و
كما حدث في جميع البلدان العربية ، تسعى النخب المهيمنة إلى زيادة قوتها و زيادة رصيدها
المالي الهائل بينما الطبقة المتوسطة تحاول أن تنظر إلى الأعلى فتعمل على تقليد الغرب
و تركيا أو أي دولة مهيمنة أما الطبقة الدنيا ذات الدخل المنخفض و معدومة الدخل فهي
أخذة في التكاثر ككرة الثلج التي لا تتوقف .
و من السهل جدا إن نفهم أن إصلاح
الاتصالات تهدف إلى تمكين احتكار هذا القطاع في أيادي قليلة .و أن إصلاح و تنظيم الفضاء السمعي البصري هو تمكين البعض لا الكل من
وسائل إعلامية من الصعب و من المستحيل أن تروج لفكرة أو مشروع غير ما يريدون ترويجه لنا .و الإصلاحات
المالية هي لتقليل الضرائب إلى الحد الأدنى لفائدة مجموعات كبيرة و إثقال كاهل الأغلبية
بضرائب جديدة
و أن اصلاحات مثل رفع الدعم
العمومي عن المحروقات و رفع ثمن الماء و الكهرباء لسد عجز المكتب الوطني و اصلاح
صناديق التقاعد ...اصلاحات لم تقنع الجمهور المنتظر .لان ما سمي بالاصلاحات
الهيكلية تركت قطاعات كالهيكل العظمي و هذا ما يبرر تقديمها الى الخواص لتسمينها .
و انه لن يكون هناك إصلاح انتخابي حتى تحدد واشنطن
و باريس الشكل الجديد و الطريقة التي تتمكن بها من السيطرة على الانتخابات و التحكم
بها .و ماذا عن الإصلاحات التربوية و التعليمية ؟
إنها أم الإصلاحات الكارثية .
هناك العديد من أوجه التشابه في
أنظمة التعليم العربية و المغربية، هناك اتجاه أخذ في التبلور عبر الوقت لتحميل المعلم
جميع تبعات الفشل المدرسي و التعليمي.و لهذا يفكرون في اختبارات موحدة تعتمد معايير
نقطية و حسابية في تحديد شخصية المعلم و المربي...
لقد عانت المدرسة العمومية من عدة
هجمات للإجهاز عليها و شيطنتها و تفقيرها و
تهميشها لتحل مكانها المدارس الخاصة .و تتقلص
مجانية التعليم إلى أن تختفي . تخلي الدولة عن المدرسة العمومية بدأ واضحا في التقليص
من الموارد الممنوحة لها و التراجع عن مكتسبات حققتها المدرسة مما فتح ثغرات كبيرة
للقطاع الخاص للدخول إلى الميدان ...و قد دخل كفيل هائج إلى متجر البورسلين و الزجاج .
في الوقت الذي يميل نظامنا التعليمي
إلى اللامركزية اي الخضوع إلى الأكاديميات و إعطائها سلطة اكبر في تصريف الشأن التعليمي
فان النظام حافظ على مركزيته من خلال قنوات
حيث يتم توجيه الموارد عبرها و لكن ليس لها سلطة على السياسة التعليمية و لا
تعرف الى اي حد تتخد قراراتها للتعبير عن استقلاليتها .
و دائما ما تجدهم يتذرعون بان رواتب المعلمين تستهلك الجزء الأكبر
من الميزانية بحيث لا يتبقى إلا القليل من
الميزانية لبناء مدارس جديدة و لا توجد موارد للحفاظ عليها ...و لهذا حسب يزعمون أن التعليم الخاص هو الحل ، و سنرى قريبا التعليم
في أيدي مبادرات خاصة و مؤسسات رسمية مع موارد اكبر و ميزانيات لا تشح .
قوانين الإصلاحات الأخيرة لا تهدف
لتحسين التعليم و إنما المزيد من السيطرة على المعلمين عبر تغيير في قوانين العمل
(التعاقد) و تحد من الانضمام إلى النقابات و الجمعيات و تمنعه من الطعن في القرارات
الوزارية .
من الواضح أن التعليم يمشي بخطى
حثيثة من سوء إلى أسوأ و نحن لا ننصت إلى
العقل و لا نحلل الأمور بطريقة عقلانية
خارج مصالح أولائك المتطفلين على التعليم و التربية .و لا نلتفت لمصالح القوى السياسية و الأجنبية وتوصياتها المريبة
، لهذا يسحب التعليم من تحت أرجلنا و يباع للخواص ليفترشه كحصيرة ، و من الجدير بالذكر
أن آخر شيء يفكرون فيه أن يصلون
فوق هذه الحصيرة ليروا أمامهم هذا الكائن
الصغير الذي يتحكمون في مصيره .و لعل الهدف الغير المعلن عنه هو القضاء على التعبير
النقابي للمعلم كآخر ما تبقى له من قنوات الاحتجاج ،حيت يتم تنصيب وزارة تعليم شبه دكتاتورية .
ماذا ؟ اعتقد إن المعركة الأخيرة
التي علينا خوضها قبل إن نسقط هي معركة الوقوف و الكفاح من اجل الحفاظ على التعليم
الأساسي و المجاني ،
في وجوه من يمضون هرولة لخصخصته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق