الجمعة، 19 يناير 2018

التعليم كما عايشته (52) :الإصلاح : المدرسون أو المدارس؟





الإصلاح : المدرسون أو المدارس؟
مقدمة :
حينما يتعرض الاطفال للاغتصاب ، يتدخل كل المجتمع غاضبا و حانقا رافعا اليافظة الشهيرة :الاعتداء على أطفال في وضع  يفتقدون فيه  للحماية . جميل جذا ان يصحوا الضمير الوطني و الانساني الذي تمثل له التربية و التعليم  اهتماما جد ثانوي ، و يحس بالاعتداء  البشع على الصغار المفتقدون للحماية و القدرة  و  وسائل الدفاع عن النفس خارج المدرسة و  في حالات قليلة و معزولة.

Résultat de recherche d'images pour "reformas escolares"

و الغريب ان هذا الضمير نفسه   لا يصحو غاضبا امام  الاعتداء النفسي و السلوكي و البيداغوجي الممارس في نظامنا التعليمي على مواطنين صغار  في - وضع -  يفتقدون فيه  الحماية . بل و يفتقد الاحساس بما يقع من اعتداءات لسكان المدارس الصغار نتيجة سياسات فاشلة و مدمرة .


                                   الموضوع :
و ما هو المطلوب لتغيير التجربة التعليمية الفاشلة  ؟ التظاهر بالتغيير  أصبح ينكشف من الخطوات الأولى ، و لم يعد أحد يقتنع أو يثق في الإصلاحات المتعاقبة المتوالية ، بل أن هاته الإصلاحات لا يقتنع حتى مبرمجيها و منفذيها .
و إذا كان المطلوب هو أن نحضر (بضم الراء و كسر الضاد) المواطن الصغير  إلى المدرسة و نجعله يواظب على الحضور للوصول إلى أدنى نسبة للغياب في الشهر ، فهذا  يعني ببساطة أننا فقط نعبد الطريق و  نضع أمام الطفل إمكانية الوصول إلى مباني المدرسة .و هذا في حد ذاته غير كاف ، بل وجب تعزيزها (أي الإصلاحات)  بأن نضع أمامه  إمكانية التعلم أيضا . و هذه الأخيرة  هي الشرط الأولي و ذات الأولوية  ليستحق الإصلاح شرف ذكر اسمه . انه  الشيء الحاسم الذي يجب توفيره لملايين ساكنة المدارس .
و من الملاحظ أن  الإصلاح المقترح دائما ما يكون  صعب التنفيذ  و مستحيل في بعض الأحيان  . لماذا ؟ لأن هذه الاماكن الاجتماعية أي مدارس التعليم  ، تشهد تغييرا  يتم فيه الانتقال من شكل المدرسة البروسية  التقليدية الجامعة بين بنية السجن و المعمل و المعتمدة على التقسيم العمري و الصفي و العزل و مراحل سلاسل الانتاج الى مدرسة أكثر ملائمة للحداثة و التغيرات السياسية و الاقتصادية التي يعرفها العالم و التي تصب في هدف واحد هو الربح و السيطرة . و كان لا بد من التفكير في أساليب اقتصادية محضة لإدارة المدرسة .أساليب تعتمد على الربح و الخفض الشديد لتكاليف الإنتاج من وقت و مساحة و إنتاج .إذن لا غرابة  أن يتم التفكير بتصميم  المدرسة  على غرار اصطبلات ماشية  حيث يتم إعطاء الماء و الكلأ (توصيف لمانويل غوميز مورين)  حيت التحديد الشديد للوقت و مواعيد التغدية و الفضاء المحسوب بالسنتيمترات  ...كما أن السلطات التربوية كانت دائما تقترح نفس النموذج على  النظام التعليمي :تجميع أكبر عدد من الساكنة في سن التمدرس و تخضعها لعمليات المقارنة والترتيب و المفاضلة  و التصفيف وفق معايير موحدة لا تعترف بالفروقات ،و مقدمة و شارحة لكل ما يتعلق بالحياة متجنبة تعويده على نعمة الأسئلة و التساؤل و الاكتشاف .إننا أمام طريقة لإعطاء المعرفة  لا تختلف  كثيرا عن طريقة  تعليف قطيع  الأبقار .

و كل البرامج كانت ترسم و تلون  على هذه الصورة (أي صورة تغدية القطيع) و بديهيا كان التصرف و التدبر يتم وفقها . و كانت خطابهم ذو الكلمات الدقيقة و المختارة بعناية خلف صورة جميلة من الدعاية الرسمية تصعب رؤية ما وراءه و ما يرمون اليه : محو المدرس و جعل دوره ثانوي و هامشي مع  تعزيز الحفاظ على هياكل المدرسة الضامنة لخريطة طريق موعز بها من طرف وكالات اتمانية عالمية للديون و مجموعة  نخبوية من السلط  السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية .
هناك ثلاث دلائل يجب  مراعاتها و تتبعها :
 الطريقة التي يفهمون بها و يقيمون بواسطتها عمل المدرس وعملية تدريبه و حدودها .
الدور المعقد للمعلم في علاقته بالأطفال لتحفيزهم على التعلم
 المكان الذي يتم اكتساب فيه هذه المعرفة و الخبرة و أين يجب تطبيقها .
التدريس كنشاط مهني هو نشاط جد معقد ،و يمكن ان يكون اكبر تعقيدا من الأجهزة الآلية  للتحكم في الطيران . ترتيب الإحداثيات و المسافات و الارتفاع و الإيقاعات التي تنظم الصعود إلى الأعلى أو الهبوط إلى الأرض ، ثم هذا التواصل مع المحطات الأرضية و بشكل واضح هو مهم جدا ، كل هاته الإجراءات ، تعتمد عليها حياة الناس أو المجموعة و تكون سببا حاسما في نجاتهم من  كوارث مميتة  ، و على هذا المنوال بالضبط يعمل المعلم ،و لم نغالي إذا قلنا أنه يعمل بشكل أكبر تعقيدا . إن تكون لك معرفة تحديد الشروط التكوينية و العاطفية لمجموعة من 40 تلميذا ، و وسط هذا الخليط الغير المتجانس و التنوع ، و مطلوب منك أن توصل المعرفة إلى كل واحد منهم و في نفس الوقت و في زمن محدد ...أمر بالغ الصعوبة أن لم نقل مستحيل .
حينما نقدر عمل المعلم ، فذلك سينعكس ايجابيا على حقل المعرفة و الاحترام العميق للعلم .و اذا كانت الغالبية العظمى من الجمهور ( و خاصة الجمهور الواعي و المثقف و الحاصل على مستوى تعليمي مقبول ) لا تفهم معنى التدريس ، فالدولة و الهيئات و المجموعات مطالبين بتبسيط التعليم و إيصاله إلى الجمهور العادي عبر مراسيم و وصلات إعلانية و احتفاءات بالمدرس ...أنذاك يمكن أن ننتظر رد الفعل الايجابي من الجمهور : احترام المدرس .
و لذلك من المنطقي جدا أن الإصلاح الجاد هو الذي يمر مساره بالاعتراف و الامتنان بعمل المدرس و بالمؤسسات التي تسهر على تكوينه و بالأماكن التي يمارس فيها التدريس .أما ان نعمل على تنزيل إصلاح لا يقدر قيمة التدريس و لا يلامس مشاكله الجوهرية . و نفتح الباب على مصراعيه أمام من هب و دب للولوج إلى أخطر مهنة اسمها التدريس  ، و نتجاهل أهمية المعايير لاختيار المدرس حتى أصبح أي شخص في متناوله تربية و تعليم الاطفال ( موجة التعاقد ) .هذا اكيد لا يجلب الاحترام للمدرس .و اتصور انه من الصعب أن يتجاوب التلميذ مع استاذ لا يحترمه المجتمع .
نحن نواجه عاهة  و نعمل على إطالة استدامتها . الإصلاحات عندنا أوجدت لدينا مفهوما جديدا للمعلم إذ  يكفي أن تقرأ  شيئا يسيرا أو تحفظه ثم تتقدم  لإجراء  امتحان ، ستكون قد استوفيت شروط التقييم و الملائمة لممارسة هاته المهنة .رغم أننا نعرف أن هذا الامتحان لا يسمح بتاتا بتقييم المعلم بطريقة صحيحة و موثوقة . و هذا التقييم يفسح المجال أمام الناجحين فيه أن يلجوا الفصول ليعلموا و يدربوا الأطفال بدورهم للاستجابة لامتحانات الاختيار المتعدد ، و التدرب على تقييمات فقيرة و خالية من الكثافة  المعرفية ، تطبيقات و  تقييمات هي عبارة  عن    " نمذجة " (على غرار نموذج)  من الفضاء السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي  الذي يتطلب الطاعة الشديدة و تنفيذ الاجندة و الاستهلاك الشره  و النفي كليا النقد وروح  المبادرة .
                                      خاتمة:

أظن انه بدون معالجة لهاته القضايا كمبادئ و كبداية ، لن ينجح الإصلاح لأنه دائما يعيد نفس مسببات الفشل .
Image associée


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق