الإصلاح : المدرسون أو المدارس؟
مقدمة :
حينما يتعرض الاطفال للاغتصاب ، يتدخل كل المجتمع غاضبا و حانقا رافعا
اليافظة الشهيرة :الاعتداء على أطفال في وضع يفتقدون فيه
للحماية . جميل جذا ان يصحوا الضمير الوطني و الانساني الذي تمثل له
التربية و التعليم اهتماما جد ثانوي ، و
يحس بالاعتداء البشع على الصغار المفتقدون
للحماية و القدرة و وسائل الدفاع عن النفس خارج المدرسة و في حالات قليلة و معزولة.
و الغريب ان هذا الضمير نفسه لا يصحو غاضبا امام الاعتداء النفسي و السلوكي و البيداغوجي الممارس
في نظامنا التعليمي على مواطنين صغار في -
وضع - يفتقدون فيه الحماية . بل و يفتقد الاحساس بما يقع من
اعتداءات لسكان المدارس الصغار نتيجة سياسات فاشلة و مدمرة .
الموضوع :
و ما هو المطلوب لتغيير التجربة التعليمية الفاشلة ؟ التظاهر بالتغيير أصبح ينكشف من الخطوات الأولى ، و لم يعد أحد
يقتنع أو يثق في الإصلاحات المتعاقبة المتوالية ، بل أن هاته الإصلاحات لا يقتنع
حتى مبرمجيها و منفذيها .
و إذا كان المطلوب هو أن نحضر (بضم الراء و كسر الضاد) المواطن الصغير إلى المدرسة و نجعله يواظب على الحضور للوصول إلى
أدنى نسبة للغياب في الشهر ، فهذا يعني
ببساطة أننا فقط نعبد الطريق و نضع أمام
الطفل إمكانية الوصول إلى مباني المدرسة .و هذا في حد ذاته غير كاف ، بل وجب
تعزيزها (أي الإصلاحات) بأن نضع أمامه إمكانية التعلم أيضا . و هذه الأخيرة هي الشرط الأولي و ذات الأولوية ليستحق الإصلاح شرف ذكر اسمه . انه الشيء الحاسم الذي يجب توفيره لملايين ساكنة
المدارس .
و من الملاحظ أن الإصلاح المقترح
دائما ما يكون صعب التنفيذ و مستحيل في بعض الأحيان . لماذا ؟ لأن هذه الاماكن الاجتماعية أي مدارس
التعليم ، تشهد تغييرا يتم فيه الانتقال من شكل المدرسة البروسية التقليدية الجامعة بين بنية السجن و المعمل و
المعتمدة على التقسيم العمري و الصفي و العزل و مراحل سلاسل الانتاج الى مدرسة أكثر
ملائمة للحداثة و التغيرات السياسية و الاقتصادية التي يعرفها العالم و التي تصب
في هدف واحد هو الربح و السيطرة . و كان لا بد من التفكير في أساليب اقتصادية محضة
لإدارة المدرسة .أساليب تعتمد على الربح و الخفض الشديد لتكاليف الإنتاج من وقت و
مساحة و إنتاج .إذن لا غرابة أن يتم
التفكير بتصميم المدرسة على غرار اصطبلات ماشية حيث يتم إعطاء الماء و الكلأ (توصيف لمانويل غوميز مورين)
حيت التحديد الشديد للوقت و مواعيد التغدية و الفضاء المحسوب بالسنتيمترات ...كما أن السلطات التربوية كانت دائما تقترح
نفس النموذج على النظام التعليمي :تجميع
أكبر عدد من الساكنة في سن التمدرس و تخضعها لعمليات المقارنة والترتيب و المفاضلة
و التصفيف وفق معايير موحدة لا تعترف
بالفروقات ،و مقدمة و شارحة لكل ما يتعلق بالحياة متجنبة تعويده على نعمة الأسئلة
و التساؤل و الاكتشاف .إننا أمام طريقة لإعطاء المعرفة لا تختلف كثيرا عن طريقة
تعليف قطيع الأبقار .
و كل البرامج كانت ترسم و تلون على هذه الصورة (أي صورة تغدية القطيع) و بديهيا
كان التصرف و التدبر يتم وفقها . و كانت خطابهم ذو الكلمات الدقيقة و المختارة
بعناية خلف صورة جميلة من الدعاية الرسمية تصعب رؤية ما وراءه و ما يرمون اليه :
محو المدرس و جعل دوره ثانوي و هامشي مع تعزيز الحفاظ على هياكل المدرسة الضامنة لخريطة طريق
موعز بها من طرف وكالات اتمانية عالمية للديون و مجموعة نخبوية من السلط السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية .
هناك ثلاث دلائل يجب
مراعاتها و تتبعها :
الطريقة التي
يفهمون بها و يقيمون بواسطتها عمل المدرس وعملية تدريبه و حدودها .
الدور المعقد للمعلم في علاقته بالأطفال لتحفيزهم على
التعلم
المكان الذي يتم
اكتساب فيه هذه المعرفة و الخبرة و أين يجب تطبيقها .
التدريس كنشاط مهني هو نشاط جد معقد ،و يمكن ان يكون
اكبر تعقيدا من الأجهزة الآلية للتحكم في
الطيران . ترتيب الإحداثيات و المسافات و الارتفاع و الإيقاعات التي تنظم الصعود إلى
الأعلى أو الهبوط إلى الأرض ، ثم هذا التواصل مع المحطات الأرضية و بشكل واضح هو
مهم جدا ، كل هاته الإجراءات ، تعتمد عليها حياة الناس أو المجموعة و تكون سببا
حاسما في نجاتهم من كوارث مميتة ، و على هذا المنوال بالضبط يعمل المعلم ،و لم
نغالي إذا قلنا أنه يعمل بشكل أكبر تعقيدا . إن تكون لك معرفة تحديد الشروط
التكوينية و العاطفية لمجموعة من 40 تلميذا ، و وسط هذا الخليط الغير المتجانس و
التنوع ، و مطلوب منك أن توصل المعرفة إلى كل واحد
منهم و في نفس الوقت و في زمن محدد ...أمر بالغ الصعوبة أن لم نقل مستحيل .
حينما نقدر عمل المعلم ، فذلك سينعكس ايجابيا على حقل
المعرفة و الاحترام العميق للعلم .و اذا كانت الغالبية العظمى من الجمهور ( و خاصة
الجمهور الواعي و المثقف و الحاصل على مستوى تعليمي مقبول ) لا تفهم معنى التدريس
، فالدولة و الهيئات و المجموعات مطالبين بتبسيط التعليم و إيصاله إلى الجمهور
العادي عبر مراسيم و وصلات إعلانية و احتفاءات بالمدرس ...أنذاك يمكن أن ننتظر رد
الفعل الايجابي من الجمهور : احترام المدرس .
و لذلك من المنطقي جدا أن الإصلاح الجاد هو الذي يمر
مساره بالاعتراف و الامتنان بعمل المدرس و بالمؤسسات التي تسهر على تكوينه و بالأماكن
التي يمارس فيها التدريس .أما ان نعمل على تنزيل إصلاح لا يقدر قيمة التدريس و لا
يلامس مشاكله الجوهرية . و نفتح الباب على مصراعيه أمام من هب و دب للولوج إلى
أخطر مهنة اسمها التدريس ، و نتجاهل أهمية
المعايير لاختيار المدرس حتى أصبح أي شخص في متناوله تربية و تعليم الاطفال ( موجة
التعاقد ) .هذا اكيد لا يجلب الاحترام للمدرس .و اتصور انه من الصعب أن يتجاوب
التلميذ مع استاذ لا يحترمه المجتمع .
نحن نواجه عاهة
و نعمل على إطالة استدامتها . الإصلاحات عندنا أوجدت لدينا مفهوما جديدا
للمعلم إذ يكفي أن تقرأ شيئا يسيرا أو تحفظه ثم تتقدم لإجراء امتحان ، ستكون قد استوفيت شروط التقييم و
الملائمة لممارسة هاته المهنة .رغم أننا نعرف أن هذا الامتحان لا يسمح بتاتا
بتقييم المعلم بطريقة صحيحة و موثوقة . و هذا التقييم يفسح المجال أمام الناجحين
فيه أن يلجوا الفصول ليعلموا و يدربوا الأطفال بدورهم للاستجابة لامتحانات
الاختيار المتعدد ، و التدرب على تقييمات فقيرة و خالية من الكثافة المعرفية ، تطبيقات و تقييمات هي عبارة عن "
نمذجة " (على غرار نموذج) من الفضاء
السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي الذي
يتطلب الطاعة الشديدة و تنفيذ الاجندة و الاستهلاك الشره و النفي كليا النقد وروح المبادرة .
خاتمة:
أظن انه بدون معالجة لهاته القضايا كمبادئ و كبداية ، لن ينجح الإصلاح لأنه دائما يعيد نفس مسببات الفشل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق