التعليم كما عايشته (50) :الدفاع عن مجانية التعليم و المدرسة العمومية
الدفاع عن مجانية التعليم و المدرسة
العمومية
كل شيء في أخر الأمر (بل و حتى و منذ بدايته ) يدور حول
المال و المال و المال.
لا تتحول الإصلاحات الأخيرة في الحقل التربوي إلى مصدر
قلق للمعلمين و بعض الفئات المهتمة بالشأن التربوي فقط أتوقع أنها ستمتد إلى العائلات و فئات اجتماعية أخرى لأنها
ستكون المنبه الذي يوقظ من النوم و عدم اللامبالاة : على الأسر أن تساعد في
الإنفاق على المدرسة .و ستحدث مواجهات من اجل الدفاع عن المدرسة العمومية التي سوف
لن تبقى شأنا وزاريا و إداريا ،أظن أنها ستكون مستقبلا شأنا موسعا ما بين الإدارة و المجتمع و العائلات
.
في ثمانية نقط سأحاول أن ألخص لماذا يجب علينا الدفاع عن
التعليم المجاني من خلال المدرسة العمومية ، و معذرة ان تكررت بعض الافكار التي
سبق لي أن تناولتها في مواضيع تتطرق للإصلاحات التربوية الجديدة في هذه السلسلة
1-المعلم ليس أي
عامل - وأن المسؤولين الحكوميين يجب أن يعرفوا
أفضل من أي شخص، كما سبق أن كتبت عدة مرات
– من هو عامل التعليم، و من هو جهاز إرسال
الثقافة والسلوك ومن هو المحافظ على استمرار
يتها . نعم هو (و بكرامة كبيرة) عامل، موظف، خادم للدولة بلا ثمن ، مستغل، ولكن في
النهاية عامل خاص و جد خاص و يصعب أو ينذر أن تجد مثله في المجتمع : لأنه الوحيد على اتصال مباشر مع الأطفال والمراهقين والشباب،
بالإضافة إلى والديهم. هو على اتصال جد نشط يمكن أن يكون قناة جد فعالة لتمرير
المعلومات و التوجهات الوطنية .و هو شبكة الهاتف النقال للعلم و المعرفة التي غطت كل ربوع الوطن ،و انتصبت شامخة في
الاودية و الجبال و الصحاري و الاقاصي البعيدة ،أماكن لم تصلها الشبكات الحالية
للهاتف . كيف يمكن للدولة أن تقلل من شأنه؟و لماذا تعامله بشكل فج ، وكأنه عامل مياوم براتب بسيط ؟
الذين لا يولون اهتماما
للمعلم و على الرغم من كونه خالق للثروة التي
يتمتع بها الآخرون هم بالضبط - الأقلية المتطرفة - بشكل غير عادل حيث يستحوذون
عليها ويستأثرون بها ،و يريدون منعها عن الآخرين .
2- في كل التصريحات التي يروجوا لها أصحاب هذا الإصلاح الطوفاني
يحاولون تنويم الجمهور بطمأنته على أن التعليم بيد أمينة . و أن مجانية التعليم هي
حق دستوري و أن التدابير المتخذة ما هي إلا
رافعة لإصلاح التعليم و جعله ذو جودة ، لكنهم في الحقيقة يحاولون إضفاء طابع
العلمانية و طابع الخصخصة على المناخ العام للتعليم .
كنا نظن أن التعليم و التربية هي مهمة إلزامية للدولة و أنها
عامة و شعبية ، لكننا نفاجئ بدعوة الحكومة
الأسر للمساهمة في الأعباء الاقتصادية للمدرسة .
كل الوزراء كرروا نفس اللغة الخادعة إصلاح التعليم ،
لكنهم كانوا في الحقيقة هم أول من تخلى عنه و خصخصه و جعله عرضة لأطراف أخرى تغسل
الأدمغة و تلقن من خلاله ما تشاء و ما أوحيي لها من مموليها و واضعي
برامجها .
3- والتعليم المجاني ضروري كالكسرة و الشاي و الدواء "إنها وظيفة إلزامية للدولة". و يجب
أن لا نتهاون في رؤية الحقيقة المرعبة : تخلي الدولة عن تشكيل ضمير و فكر و اعتقاد المواطنين لمجموعة من الأفراد التي تضع مصالحها الشخصية و المادية و
الاديلوجية فوق مصلحة المواطن الصغير الذي
سنعتمد عليه في المستقبل . ان التخلي عن المواطن ، بين أيدي هذه الأشخاص و
المجموعات هو بالضبط ما سيجعل مستقبلنا
سوداوي :فرقة و تنافس و تطاحن .و لنا في الحركات الاحتجاجية الأخيرة خير مرآة ننظر
إليها : الدولة التي تخلت عن التعليم (التكوين و التثقيف) لفئات شعبية واسعة هي التي تقف الآن عاجزة عن
التواصل مع هذه الاحتجاجات و مكوناتها .الطبيعة علمتنا أن ما تخلينا عن تربيته و
هو صغير من الصعب استيعابه حينما يكتمل نموه الفكري داخل منظومتنا .
من هنا أعتقد أنه
يجب على الدولة أن تضمن تمتع جميع السكان
بالحق في التعليم دون مراعاة ظروف معيشتهم و بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي سواءا
كان ميسورا أو فقيرا .لان إخضاع الكل إلى قدم المساواة هو أول مبادئ التربية الحقة
و أول خطوة لتكافئ الفرص ، التي يثرثرون بها في جميع أدبياتهم .
. التعليم الحديث كما نعرفه جاءت به فرنسا ، و تحت يافظة
الاستقلال لم تعمل الدولة على نزع التعليم من سيطرة فرنسا كما ادعت بل عملت على
نزع التعليم من سيطرة الكتاب و رجال التعليم التقليدي . ثم كانت هناك محاولات لمغربته و جعله تعليما وطنيا
. و منذ الاستقلال أصبحت مواسم إصلاح
التعليم قارة ،و ما كان إصلاحا يراد منه
البناء و التشييد تبين أن كان معولا للهدم و التخريب و النتائج الحالية في الشارع
و الاسرة تتكلم عن نفسها .
ثم ماذا حدث ؟ سيطرة الدولة على التعليم الذي انتزعته من
فرنسا و التعليم الديني التقليدي أصبحت
تنزع منها لصالح مجموعات أخرى ذات طابع اقتصادي و عقائدي و حتى اديلوجي و ديني .
4- المعركة ضد هذه الخصخصة للتعليم و المدعومة من رجال
أعمال و جهات نافدة و مجموعات سياسية و حتى من الإعلام، يجب أن تبدأ من الدفاع عن توفير الميزانية
الكافية للتعليم العمومي المجاني .و هذه نقطة أساسية و بدونها بصعب تصور دفاع مجد
عن المدرسة العمومية .
و هناك شيء لا بد من الإشارة إليه هو أن المدافعين عن التعليم الخاص يعرفون جيدا أنهم
يضربون عدة عصافير في المستقبل بحجر واحد في الحاضر المتعفن .تطوير التعليم الخاص
و كما هو مخطط له هو امكانية التلاعب
بأموال هائلة من مداخيل و جبايات و كذا الدعم الهائل الذي سوف تقدمه الدولة لهذه
المؤسسات الخاصة مقابل تكفلها بتربية فئات مليونية (نسبة الى العدد) من المواطنين .
6- و لم يكتفوا بما هو غريب بل أضافوا اليه ما هو أغرب
منه : لم يتم فقط تأسيس و فتح مدارس خصوصية
(لا تخجل بادعائها التربية الوطنية ) بل أيضا عملوا على فرض خطط و برامج خصخصة في
المدارس العمومية و الحكومية . و لا يحتاج المعلمون إلى بيانات أو إحصاءات لمعهد دولي أو
وطني لإثبات ذلك ، حيث تحاصرنا مئات الإعلانات عن المدارس الخاصة التي احتلت
الفضاءات العمومية و المساحات الإعلانية ، ليس للإعلان عن منتوجها الجد تجاري فقط ، و لكن كعملية فرض في لاوعي المواطن من أجل
أن يقتنع بها ويدير ظهره للمدرسة العمومية .ويكفي أن نفتح أي مقررات الدراسة
الجديدة لنرى شكل الخطط و البرامج التي حذفت و التي اقتطعت و مواضيع حذفت و تقلص
ما هو اجتماعي و إنساني لصالح إدخال توجيهات جديدة تقنية و مهنية ،و إنتاج
طلاب محترفين قادرين على المنافسة كما هم قادرين على المواجهة والتحارب بينهم بدون أدنى قلق من المجموعة التي يعيشون
معها و يتقاسمون معها نفس الوسط .
7- هناك من ساهموا في تمرير إصلاحات ضيعت أجيالا من
التعليم ، هم الآن من يحاول النزول شيئا فشيئا إلى ساحة المعركة من اجل مجانية
التعليم ...و يحاولون أن يسابقوا الجهات التي ستحتج من بعد ، هكذا هم يحاولون
الركوب ، فكل قطار احتجاجي سيقلع يعني لهم المزيد من الغنائم .الدفاع عن المدرسة
العمومية يجب أن يخلى من المتطرفين (و للتطرف أشكال و ألوان) و الانتهازيين .
8- أعتقد أن التعليم لا يجب أن يستمر في يد السياسيين و
رجال الأعمال .و من الضروري و المستعجل أن يأخذ المعلمون و الطلبة و الآباء و
الأمهات بأيديهم فرصتهم و مكانهم الطبيعي
في داخل التعليم عبر آليات قانونية جديدة تضمن لهم المشاركة فيما يدرس لأبنائهم و العملية
التعليمية ككل .و تضمن لهم الاستجابة لمقترحاتهم .
مواضيع ذات صلة :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق