نموذج الانتاج الصناعي لخط التجميع (chaine de montage ) كان مثاليا للمدرسة ر في المدارس البروسية في القرن الثامن عشر حيث ظهرت المدرسة على الشكل الذي هي عليه الان أسوار تحد المدرسة و برامج و تقسيم للأطفال حسب السن و محطات للتعلم مماثلة للمحطات التي يمر منها منتوج ليصنع (القسم الاول ثم الثاني .ألخ ..).
و يجب أن نعرف أنه من قبل لم تكن المدرسة بهذا الشكل الذي وضعه النورانيون في ألمانيا .
و لم تأخذ شكلها الجديد الا عندما دعت الضرورة الحربية و العسكرية و الاستعمارية لذلك .و حدد دور المدرسة في عزل الطفل عن محيطه الخارجي ( السجن ) و تغيير سلوكه عن طريق العقاب و الجزاء لتكوين تكوين مواطنين محاربين و طيعين و مستهلكين .و لا غرابة أن تكون الحروب التي اجتاحت أمارات اروبا و الحربين العالميتين الاولى و الثانية ، حروب من نتائج المدرسة الحديثة التي كانت مرتعا لنماء الفكر الشوفيني و الوطني المتعصب .
المدرسة البروسية أصبجت موضة في القرن الثامن عشر و هذا ما دفع رؤساء و حكومات العالم لارسال وفود طلابية لاستنساخ التجربة البروسية التي أعطت أكلها : جنود مطيعون و عمال حرفيين مكونين و مدربين . و هنا نؤكد على نقطتين :
- المدرسة البروسية كانت عاملا مهما لتخوض ألمانيا حروبها .
- المدرسة البروسية أو المدرسة الحديثة قضت على أشكال المدارس القديمة التي وجدت قبلها مثل المدرسة، اليونانية ،الصينية ،العربية، الفارسية ،المصرية ...
- تعتبر المدرسة الحديثة (البروسية ) هي أول مدرسة تم الحاقها بنصوص صريحة من أجل خدمة الهدف السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الوطني ..
يجب التامل جيدا الى تصميم المدرسة ، فهي من جهة تحاكي السجن من ناحية العزل و تغيير السلوك، و من جهة أخرى تحاكي المصنع المنتج لمواد استهلاكية و تستعمل لب النظريات الاقتصادية الفورديزم و التايلوريزم fordisme et taylorisme . ما تريده الشركة في آخر سلسلة الانتاج هو منتوج ذو معيار موحد produit standard ، في آخر كل سلسلة (الدروس الابتدائية ،شهادة الاعدادية شهادة الباكالوريا ) و يتم تجزيئ عملية التعلم الى مهام يتم تنفيدها في كل قسم و مستوى مثلما يتم تنفيد المهام في كل محطة انتاج .و في تعاقب مستمر تنفذ البرامج من طرف عمال متخصصين هم المعلمين و في وقت و مكان معين :المدرسة و القسم .
في المعمل يجب أن تكون جميع المنتوجات متشابهة ذات معايير محددة مسبقا .و كل منتوج لم يستجب لهذه المعايير يجب أقصائه من التسويق لان به عيبا و هذا بالضبط ما تبرع فيه المدرسة : يجب أن يكون جميع التلاميذ متساويين و ذو معايير محددة و لهم نفس المستوى و نفس المعلومات و من لا يتوفر على هذه المعايير وجب اقصاءه من النجاح و الجزاء . ان اقصاء منتوج شيئ عاد و طبيعي أما اقصاء انسان من النسيج الاجتماعي و الاقتصادي فهذه قمة العبث و قمة الاستغلال . كما أن الامتحانات التي تمكن التلميذ من الانتقال في السلسلة المدرسية (أو السلسلة الانتاجية ) تفرض على التلاميذ أن يكونوا متساويين و لهم نفس المعلومات و نفس السن : و كأن الاطفال كلهم خلفهم الله متساويين في القدرات و المهارات ..؟
تربية الطفل كانت مطابقة (و لا زالت ) لتصنيع منتوج ما .و لهذا كانت تتطلب سلسلة من المراحل المحددة و الخاصة مقسمة الأطفال الى أجيال في المستوى الدراسي .و في كل مرحلة من المراحل يجب العمل على عناصر محددة و على محتويات وحدها تحدد النجاح الذي حدد بدقة من طرف خبير ! خبير في ماذا؟ ربما خبير في الاقتصاد لكنه من الاكيد خبير في الاقصاء الانساني.
الأستاذ كان دائما مطلوب منه تعليم محتوى معد سلفا.لأنه بكل بساطة هناك من قرر أن تكون الأشياء على هذا المنوال.
التربية و عكس ما نتوهم لم يضعها بيولوجيون و لا فلاسفة و لا مربون التربية وضعها اداريون لم يدرسوا (لم يعطوا دروسا) في حياتهم قط !
هناك في نقطة من هذه السلسلة شخص واحد (المعلم) يصعب عليه جدا معرفة الية التعليم في كليتها كما يصعب عليه فهم شخصية الطفل فهناك مدرس في كل عام و هناك مدرس لكل مادة ...
و مع وجود 40 تلميذ يصبح التعليم عملية ميكانيكية محضة.